المفارقات الاقتصادية

على أثر مفاجاءة برنامج DeepSeek الصيني للذكاء الاصطناعي الذي كان صادما للشركات الأمريكية السباقة في التقنية، التي تصورت أن الصينين إما بسبب مستوى المعرفة أو بالحظر على أرقى رقائق أشباه الموصلات لن يستطيعوا المنافسة بهذه السرعة أو الكفاءة.

محاولة شرح الظاهرة أدخلت مصطلح "مفارقة جفونز- Jevons Paradox". في البداية لا بد من تقديم مبسط للمقصود بالمفارقة، حيث يقصد بها عادة نص يتضمن تناقضا على المستوى الأول من الادراك، ولكنه مقبول منطقيا. مفارقة جفونز تشرح ظاهرة ارتفاع استهلاك مورد الطاقة فكلما حدث تقدم تقني إذن هناك مرونة في السعر رغم تناقص الطاقة الموظفه لكل تطبيق.

المفارقة تحدث في تناقص استهلاك الطاقة اللازمة لكل تطبيق، ولكن ينتج عنه ارتفاع في استهلاك الطاقة إجمالا، لأن توظيفها يتوسع. جفنوز اقتصادي انجليزي ذكر المفارقة في كتابة عن الفحم في 1865 حين لاحظ أن استهلاك الفحم ارتفع بقوة بعد اختراع جيمس وات الآلة البخارية. علم الاقتصاد يخادع ويشرح كثيرا من البديهيات المقبولة أو المتوقعه في تفسير عدة ظواهر، المفارقات إحدى ظواهر الصعوبة والمراجعة في تفسير المنطق والحراك الاقتصادي. سأحاول سرد عدد منها بقدر مساحة العمود.

ربما الأكثر وضوحا ما يسمى مفارقة التقتير، فحين يحجم الفرد عن الاستهلاك لغرض التوفير عادة يستفيد، لأن هدفه تأجيل الاستهلاك لغرض بناء ثروة من خلال الاستثمار ولكن ما يناسب الفرد لا يناسب الجميع في نفس الوقت، لأن عدم الاستهلاك يعني إضعاف النمو الاقتصادي، وربما الكساد، لأن العرض أعلى من الطلب. أول موثق المفارقة كان كينز. الفكرة اقتصاديا أن استهلاك شخص هو دخل شخص آخر على المستوى الجمعي. توصل كينز للفكرة من خلال دراساته للكساد العالمي ونقص الطلب العام في الاقتصاد.

المفارقة الثالثة: مفارقة جفن Giffen حيث تحدث المفارقة حين يرتفع سعر سلعة مهمة لدى الغالبية ولكن الطلب عليها يرتفع، يحدث ذلك لأن الناس تقل مصروفاتها على السلع الأقل أهمية وتخصص جزءا كبيرا من الدخل للاستمرار في استهلاك السلعة طلبها كثيرا. فمثلا لو ارتفع سعر الأرز فيمكن أن يقلل الناس شراء الفاكهة أو السمك لشراء رزا أكثر.

المفارقة الرابعة: مفارقة ترفن Triffin حيث تحدث عند التعارض بين المصالح للاقتصاد في المدى القصير للدول التي عملتها توظف للاحتياطيات المالية العالمية مثل الدولار في الحاضر والضرر على استقرارها الاقتصادي في المدى البعيد. فمثلا نجد أمريكا في عجز مستمر في ميزان المدفوعات، ما يهددها اقتصاديا (أحد أسباب ما يذكر ترمب مرارا). الإشكالية أن المدى البعيد مجموع تحديات المدى القصير، لذلك ربما وصلنا للمدى البعيد.

المفارقة الخامسة: مفارقة لوكس Lucas، إذ تذكر النظرية التقليدية أن رؤوس الأموال من المفترض أن تنتقل من الدول الغنية، حيث لديها رؤوس أموال فائضة إلى الدول النامية بغرض الاستثمارات الواضحة للعيان، ولكن ما يحدث هو العكس حيث تجد الأموال طريقها من الدول الفقيرة للغنية.

فمثلا، تعد إفريقيا من أقل المناطق جاذبية للاستثمارات الأجنبية، كما تعاني مناطق كثيرة في العالم نقص الاستثمارات الأجنبية. المفارقة السادسة: مفارقة العلاقة بين الأجور والعمل، فتقليديا هناك علاقة إيجابية بين الأجر والطلب على العمل، فكلما ارتفعت الأجور زادت ساعات العمل، لكن المفارقة في أنه بعد مستوى دخل معين يبدأ كثير في اختيار تخصيص وقت أكثر للمتعة وبالتالي انخفاض ساعات العمل.

هناك مفارقات أخرى ولكن نكتفي بهذا القدر.

الوعي بالمفارقات مهم لأنها توضح كيف تتكون التصرفات بعكس الإدراك العام من ناحية وتبعاتها التي تهم صناع السياسة الاقتصادية، يتم ذلك بالتوقف عن سياسة ما، لأن التأثير بدأ يصبح عكسيا أو أن الموارد تستغل لغير هدفها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي