الأسواق الأمريكية وشبح الركود
حققت الأسواق الأمريكية مكاسب كبيرة عقب إعلان انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترمب نوفمبر الماضي، قادتها التوقعات بخفض الضرائب وتقليل نسب الفائدة التي دعا إليها الرئيس الفائز خلال حملته في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، هذه المكاسب في الأسواق الأمريكية واجهت ضغوطا كبيرة على خلفية القرارات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة برفع التعريفة الجمركية على الصين بنسبة 10% لتصبح 20% كما القرارات التي صدرت بزيادة التعريفة الجمركية على كل من كندا والمكسيك لتصل إلى 25% قبل أن تصدر تصريحات بشأن استثناء منتجات السيارات التي هرع الرؤساء التنفيذيون لأكبر الشركات الأمريكية في قطاع صناعة السيارات للاجتماع مع الرئيس الأمريكي ليشرحوا له حجم الأضرار التي تخلفها مثل هذه القرارات، وما قد ينتج عن زيادة التعريفة الجمركية على كلٍ من الشركات والمستهلك الأمريكي.
ورغم أن الرئيس الأمريكي لام هذه الشركات على اتجاهها للاستثمار خارج التراب الأمريكي ودعاها إلى عودة هذه الاستثمارات الخارجية إلى داخل الحدود فإن مثل هكذا خطوة ستحتاج إلى وقت طويل للعودة، حيث العمالة الرخيصة والتنافسية التي وجدتها هذه الشركات في الجارتين الأقرب للولايات المتحدة ودفعتها للاستثمار فيها على مدى عقود مضت. ومع ردات الفعل القوية على مثل هذه القرارات القادمة من الدول الثلاث التي تأثرت بهذه القرارت والتي كان أعنفها من كندا التي ردت بالمثل لترفع التعريفة الجمركية على الواردات الأمريكية وبشكل فوري بذات النسبة انطلاقا من مبدأ التعامل بالمثل.
لم يقتصر الأثر التي أحدثته هذه القرارات على الدول الثلاث أو حتى الشركات الأمريكية التي نسجت علاقات اقتصادية وطيدة مع تلك الدول ولا على المستهلك الأمريكي الذي رأى وشعر بالارتفاع في واردات هذه الدول، بل كان أكبر المتضررين هي أسواق الأسهم الأمريكية التي اتشحت شاشاتها باللون الأحمر، فلقد فقد مؤشر الداو الأمريكي بالأمس ما يقارب 900 نقطة أو 2.1% من قيمته وهو الذي وصلت حجم خسائره إلى مستوى 1100 نقطة قبل أن يغلق على خسارة 890 نقطة. أما S&P 500 مؤشر السوق الذي يحتوي على الشركات الأمريكية العملاقة وأكبرها حجماً فقد فقدَ 2.7% من قيمته بينما نزف مؤشر ناسداك 4% في تداولاته يوم الاثنين وهي المؤشرات الأسوأ أداء خلال هذا العام.
هذا الهبوط أعاد شبح الركود إلى الواجهة وزاد من حدة المخاوف توقعات ارتفاع نسب التضخم الذي شن الفيدرالي عليه حرباً شعواء في العاميين الماضيين قادت إلى ارتفاع في نسب الفائدة في سعي حثيث إلى السيطرة عليه قبل أن يبدأ أواخر العام الماضي بإرخاء تشديد القبضة عليه أملاً بإعطاء الأسواق مساحة للتنفس والانتعاش.
وبسبب الانخفاضات الحادة في مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية تأثرت الأسواق العالمية بشكل مباشر فافتتحت الأسواق الآسيوية صباح اليوم على هبوط قادها مؤشر نيكي الياباني بمعدل 1.7% كما هبطت مؤشرات أسواق كوريا الجنوبية وهونج كونج في تعاملاتها اليومية.
وإن كان من المبكر وصف ما يحدث بأنه مؤشرات ركود، إذ يتطلب إطلاق مصطلح الركود على أداء سلبي لربعين متتالين إلا أن مثل هذه الحرب التجارية وازدياد وتيرة الحمائية في اقتصادات كبرى قد تقود العالم إلى حافة الركود وتفقد شهية المستثمرين الذين بدأوا بضخ أموالهم في الأسواق بعد أن أرخى وألمح الفيدرالي إلى تخفيف التشديد النقدي في وقت يبدو أننا لسنا قريبين من نهاية المواجهة التجارية على الأقل بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الثلاث (الصين والمكسيك وكندا) ما ينذر بمزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسواق، ويلقي بظلاله على معدلات النمو الاقتصادي العالمي، ويزيد من المخاوف من ارتفاع نسب التضخم وشبح الركود.