النفط ومراقبة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية

استمرت الضغوط على أسعار النفط معظم الأسبوع الماضي، وكافحت من أجل اكتساب زخم صعودي مع هيمنة الأساسيات الهبوطية على المشاعر. حيث، تضافرت عدة عوامل في دفع الأسعار إلى التراجع، بما في ذلك احتمالية زيادة الإمدادات من قبل "أوبك+"، تصاعد التوترات التجارية وضعف مؤشرات الطلب. وعلى الرغم من ملاحظة انتعاش فني قصير الأجل، فإن الاتجاه الهبوطي الأوسع نطاقا ظل قائما. وبعد عمليات بيع حادة، استعادت أسعار النفط بعض خسائرها خلال تداولات يوم الجمعة بعد تصريحات وزير الخزانة الأمريكي عن احتمالية تعزيز الولايات المتحدة جهودها للحد من صادرات الخام الإيراني. كما لاحظ المشاركون في السوق أن المشترين الحساسين للأسعار، وخاصة المصافي الصينية، كانوا يتدخلون للاستفادة من انخفاض أسعار خام برنت.

ومع نهاية التداولات يوم الجمعة استقرت العقود الآجلة لخام برنت عند 70.36 دولارا للبرميل، بارتفاع 1.3 %. وأنهت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تعاملات الأسبوع عند 67.04 دولارا للبرميل بارتفاع 1.03 %. وخلال الأسبوع، انخفض خام برنت بنسبة 3.8 %، وهو أكبر انخفاض أسبوعي له منذ 11 نوفمبر. وأنهى خام غرب تكساس الوسيط تعاملات الأسبوع منخفضا بنسبة 3.9 %، وهو أكبر انخفاض أسبوعي له منذ 21 يناير.

بالفعل، فاجأت "أوبك+" السوق بقرارها رفع حصص الإنتاج لأول مرة منذ 2022، مضيفة 138 ألف برميل يوميا بدءا من أبريل. على الرغم من أن الزيادة صغيرة نسبيا، فإن المتداولين حذرون من أن هذه قد تكون الخطوة الأولى نحو رفع حصص إنتاج أكبر للمجموعة. ويحذر المحللون من أن "أوبك+" قد تخفف من انضباط العرض بشكل أكبر رغم تدهور ظروف الطلب، ما قد يؤدي إلى زيادة فائض العرض.

في الواقع، كانت السوق تتوقع إلى حد كبير أن تحافظ "أوبك+" على قيود الإنتاج، ما جعل قرار الإنتاج هذا محفزا هبوطيا رئيسيا. أجبر هذا التحول في إستراتيجية المجموعة المتداولين على إعادة تقييم توقعات العرض، ما أضاف إلى التقلبات في أسواق النفط.

وفي الوقت نفسه، بلغت واردات الخام الأمريكية في فبراير أدنى مستوى لها في 4 سنوات، مدفوعة بانخفاض شحنات الخام الكندية إلى الساحل الشرقي. وهذا يشير إلى ضعف الطلب مع خضوع المصافي للصيانة الموسمية. كما أدى زيادة المخزون الأمريكي والتعريفات التجارية إلى إضافت ضغوط هبوطية. حيث، أظهرت أحدث بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الخام الأمريكية ارتفعت بمقدار 3.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي 28 فبراير، متجاوزة التوقعات. وكان هذا الارتفاع مدفوعا بالصيانة الموسمية للمصافي، ما أدى إلى خفض معدلات معالجة الخام إلى 85.9 %. في حين، انخفضت مخزونات البنزين والمقطرات الوسطية بمقدار 1.4 مليون برميل و1.3 مليون برميل على التوالي، ما يشير إلى بعض التشدد في إمدادات المنتجات المكررة.

وفي الوقت نفسه، تعمل التوترات الجمركية المستمرة على تغذية حالة عدم اليقين. في هذا الجانب، أشارت الصين إلى تدابير تحفيزية محتملة لمواجهة التعريفات الجمركية الأمريكية، ما أثار الآمال في أن الطلب على النفط قد يصمد بشكل أفضل من المتوقع. ومع ذلك، لا تزال مخاوف الصراع التجاري تخيم على السوق، ما يحد من إمكانات الصعود.

من جهة أخرى، قد يسهم التباطؤ المستمر في إمدادات السوائل النفطية الأمريكية في إلغاء تأثير تخفيضات "أوبك+". بالفعل، تباطأ نمو إنتاج النفط الأمريكي بشكل كبير في 2024، حيث أظهرت البيانات المنقحة أن متوسط إنتاج النفط الخام الأمريكي بلغ 13.208 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل زيادة قدرها 274 ألف برميل يوميا على أساس سنوي مقارنة بالزيادة البالغة 942 ألف برميل يوميا في 2023. توقع بنك ستاندرد تشارترد أن يتباطأ إنتاج النفط الخام الأمريكي بشكل أكبر هذا العام إلى 231 ألف برميل يوميا و 66 ألف برميل يوميا فقط في 2026.

على الرغم من التعافي المتواضع يوم الجمعة، لا تزال سوق النفط تحت الضغط. وتستمر زيادات إنتاج "أوبك+"، وارتفاع المخزونات الأمريكية، ومخاوف الطلب في الضغط على الأسعار. وفي غياب محفز رئيسي، من المرجح أن تكون التحركات الصعودية محدودة. مع ذلك، تظل السوق شديدة التفاعل مع التطورات الجيوسياسية. وأي اضطرابات مفاجئة في الإمدادات – مثل تصعيد في الأزمة الأوكرانية، أو التحول غير المتوقع في سياسة "أوبك+"، أو فرض عقوبات أمريكية جديدة على المنتجين الرئيسيين – قد تؤدي إلى انعكاس حاد في الأسعار. لكن، في الوقت الحالي تهيمن المشاعر الهبوطية على السوق، حيث يراقب المتداولون عن كثب التطورات الاقتصادية والجيوسياسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي