الاقتصادات الناشئة والتحديات الديموغرافية

تتجلى التأثيرات المترتبة على انخفاض معدلات المواليد وارتفاع متوسط العمر المتوقع على نحو متزايد في الاقتصادات المتقدمة مثل ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، حيث تتقلص أسواق العمل على نحو مستمر، ويتفاقم نقص العمالة، وتكافح الأسر في محاولة لتوفير الرعاية للآباء المتقدمين في السن. وفي بعض المناطق، يجبر انخفاض أعداد الطلاب المدارس على إغلاق أبوابها.

الشيخوخة السكانية لا تقتصر على الاقتصادات المتقدمة. ففي غضون جيل أو جيلين، من المرجح أن تواجه اقتصادات ناشئة عديدة ذات المشكلات الديموغرافية التي تبتلي نظيراتها في البلدان المتقدمة الآن ــ ولكن في غياب الموارد المالية اللازمة لتخفيف الصدمة.

في تقرير حديث صادر عن معهد ماكنزي العالمي، نُـقَـسِّم هذه التحولات الديموغرافية إلى 3 موجات بارزة. اجتاحت الموجة الأولى بالفعل الاقتصادات المتقدمة، وكذا أوروبا الشرقية والصين، حيث بلغ عدد السكان في سن العمل ذروته نحو عام 2010، وأعقب ذلك انخفاضات مضطردة. نتيجة لهذا، من المتوقع أن يتباطأ نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تلك الاقتصادات بنسبة 0.4 من النقطة المئوية سنويا في المتوسط، أو حتى ما يصل إلى 0.8 من النقطة المئوية في بعض البلدان، بحلول 2050. وفي حين يُستخدم نحو 30% من دخل العمل حاليا لتمويل استهلاك المتقاعدين، فإن هذا الرقم قد يرتفع إلى نحو 50% بحلول منتصف القرن.

خلال العقد المقبل، ستضرب الموجة الديموغرافية الثانية الاقتصادات الناشئة، إذ سيبلغ عدد السكان في سن العمل ذروته في كل مكان باستثناء البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، حيث من المتوقع أن يبلغ ذروته عند وصول الموجة الثالثة في النصف الثاني من القرن.

في نحو نصف 89 اقتصادا ناشئا خارج منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، انخفضت معدلات الخصوبة بالفعل إلى ما دون مستوى الإحلال البالغ 2.1 مولود لكل امرأة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض سريع في نسبة الأفراد في سن العمل (وهي عادة من سن 15 إلى 64 عاما) إلى من هم في سن 65 عاما أو أكثر. في الصين، وهي اقتصاد ناشئ يتسم بملامح ديموغرافية لاقتصاد متقدم، تبلغ النسبة حاليا 4.8 أشخاص في سن العمل لكل متقاعد ــ وهي نسبة ليست بعيدة عن نظيرتها في الولايات المتحدة عند مستوى 3.6. وبحلول 2050، من المتوقع أن تنخفض نسبة الأشخاص في سن العمل إلى المتقاعدين في الصين إلى 1.9، أي أقل من فرنسا (2.0) والولايات المتحدة (2.6).

هذه التحولات تضع الاقتصادات الناشئة أمام تحد هائل: إذ يتعين عليها أن تصيب الثراء قبل أن تشيخ. على مدار السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، أفضت اتجاهات ديموغرافية مواتية إلى زيادة سنوية بمتوسط 0.7 من النقطة المئوية في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند و0.5 من النقطة المئوية في أمريكا اللاتينية. ولكن من المتوقع الآن أن ينخفض العائد الديموغرافي في الهند إلى 0.2 من النقطة المئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي على مدار ربع القرن المقبل، في حين من المتوقع أن يتلاشى العائد الديموغرافي في أمريكا اللاتينية.

ماذا بيد الاقتصادات الناشئة أن تفعل إذن؟ بادئ ذي بدء، يتعين عليها أن تعمل على تعزيز الإنتاجية. يتحدد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل أساسي وفقا لحجم قوة العمل نسبة إلى إجمالي عدد السكان وإنتاجية العمال الأفراد. تتأخر الإنتاجية في الاقتصادات الناشئة كثيرا عن نظيراتها الأكثر ثراء.

أولا، يتعين على الاقتصادات الناشئة أن تضمن أن يكون الشباب في وضع يؤهلهم للمنافسة عالميا. إضافة إلى تحسين أنظمتها التعليمية، يجب أن تعمل على تعزيز استثمارات أخرى في رأس المال البشري وتنمية المهارات.

الدرس الثاني الذي يتعين على الاقتصادات الناشئة أن تستوعبه يتمثل في ضرورة تطوير أنظمة دعم اجتماعي فعّالة ومستدامة. في كثير من الاقتصادات الناشئة، لا تزال أنظمة دعم المسنين غير رسمية وقائمة على الأُسرة إلى حد كبير. ومع تقدم سكان هذه البلدان في العمر، ستؤدي الحصة المتنامية من المسنين إلى إجهاد مثل هذه الـبُـنى التقليدية.

تستطيع الاقتصادات الناشئة أن تتجنب أيضا بعض التحديات المالية التي تواجه نظيراتها في البلدان المتقدمة من خلال الاستثمار في صحة ورفاهية سكانها من الشباب ومتوسطي العمر. ولضمان أن يظل العمال نشطين ومنتجين حتى سن الشيخوخة، ينبغي لصناع السياسات أن يسعوا إلى تشجيع ممارسة التمارين الرياضية الروتينية، وتوسيع نطاق القدرة على الحصول على الغذاء الصحي، وتوفير رعاية صحية عالية الجودة، لا سيما الرعاية الوقائية.

 

خاص بـ"الاقتصادية"


حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.


www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي