هل العالم قادر على تحمل التبعات الاقتصادية للهجمات السيبرانية؟

في يوليو من 2024 أصيب الاقتصاد العالمي بصدمة عنيفة على خلفية أزمة شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك" التي توفر برامج الحماية اللازمة لمنع اختراق البيانات وتفادي الهجمات السيبرانية. العطل الذي أصاب واحدة من أهم شركات الأمن السيبراني في العالم أدى إلى شلل في كثير من الخدمات العالمية مثل حركة الطيران والتداول في أسواق المال والسلع العالمية، الأمر الذي كلف الاقتصاد العالمي خسائر بمليارات.
الحادثة كانت بمنزلة جرس إنذار ليس فقط للشركات وإنما للحكومات في العالم عن أهمية الأمن السيبراني. فالتحول الشامل نحو الاعتماد على التكنولوجيا في أداء مختلف الخدمات، والتطور السريع في التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي يدفع باتجاه تعزيز الإنفاق على برامج الحماية بهدف الحد من الهجمات التي تستهدف أهم القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها القطاعات المصرفية والمالية، إضافة إلى البنية التحتية الحيوية.
يعرف الأمن السيبراني على أنه العملية التي تشمل حماية الأنظمة والبيانات والاتصالات والشبكات المتصلة بالإنترنت ضد الهجمات الرقمية. وترجع أهمية الأمن السيبراني إلى أنه توفر للشركات التأمين اللازم لأصولها الرقمية مثل بيانات العملاء، وحماية أنظمتها من محاولات الاختراق والهجمات التي تتعرض لها، وذلك على غرار برامج الفدية والبرمجيات الخبيثة والتصيد الاحتيالي.
الزخم المتصاعد حول الأمن السيبراني وخدماته يدفع حجم سوق القطاع للنمو بوتيرة سريعة. ففي الوقت الذي وصل فيه حجم السوق في 2023 إلى 190 مليار دولار، فالتوقعات تشير إلى وصوله بحلول 2028 إلى 298.5 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 9.4%. النمو في حجم السوق يأتي مدعومًا بالطلب من مختلف المناطق وعلى رأسها آسيا وأوروبا والشرق الأوسط. التبني السريع للتكنولوجيا وبالأخص منذ جائحة كورونا دفع معدل الهجمات السيبرانية للارتفاع بمستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة. على سبيل المثال وصل عدد المحاولات المرتبطة بهجمات برامج الفدية في 2023 إلى 318 مليونا، لتشكل نحو 70% من إجمالي عدد الهجمات السيبرانية خلال نفس العام.
وقد جاءت قطاعات الرعاية الصحية والخدمات المالية والتصنيع والخدمات الحكومية في مقدمة القطاعات التي استهدفتها هجمات برامج الفدية في 2023. الكلفة الاقتصادية للهجمات السيبرانية تبدو هائلة. حيث ارتفع حجم التكلفة الناتجة عن الهجمات السيبرانية من نحو 1.2 تريليون دولار في عام 2019 قبل انتشار وباء كورونا، لتصل بحلول 2023 إلى 8.2 تريليون دولار بمعدل نمو يصل إلى 583%، وتعادل تلك التكلفة نحو 7.7% من إجمالي حجم الناتج المحلي العالمي في 2023. التوقعات المستقبلية لتلك التكاليف تشير إلى وصولها بحلول عام 2029 إلى 15.6 تريليون دولار.
المخاطر المرتبطة بالأمن السيبراني تحمل تهديدات مباشرة لمستقبل الاقتصاد العالمي القائم على الرقمنة والبيانات والتكنولوجيا الحديثة. فمن ناحية تؤدي الحوادث الناتجة عن الهجمات أو حتى التدخلات البشرية الخاطئة إلى إحداث شلل في مختلف القطاعات وتخلق حالة من الشك بين الأفراد في المجتمعات. ومن ناحية أخرى تلقي التكاليف الناتجة عن برامج الفدية بمزيد من الضغوط على الشركات والمؤسسات. فبدلًا من تعزيز الإنفاق على البحث والتطوير ورفع جودة الخدمات المقدمة يتم استنزاف الموارد لتغطية التكاليف المرتبطة بالهجمات السيبرانية.
ولتقليل الخسائر الناتجة عن التهديدات التي تحملها الهجمات السيبرانية يجب العمل على عدة محاور.
أولًا بالنسبة إلى الشركات والمؤسسات فإنه يجب تعزيز الإنفاق على البنية التحتية للأمن السيبراني وبرامج الحماية ذات الجودة المرتفعة. سيضمن ذلك تفادي محاولات الاختراق وعدم تحمل تكاليف أعلى سواء في صورة تعطل الخدمات أو تكاليف هجمات الفدية.
الجانب التشريعي يلعب دورا مهما في تحجيم تلك المخاطر، عبر فرض عقوبات مغلظة على المنخرطين في تلك الأعمال، مع أهمية أن يكون هناك ميثاق دولي لمكافحة الهجمات السيبرانية. يلعب الإعلام دورا مهما في كبح جماح تلك الهجمات عبر التوعية المستمرة من المخاطر الناتجة عن التهديدات السيبرانية وأثرها في الأمن الاقتصادي للدول.
ختامًا، فقد أصبح الأمن السيبراني يشكل جزءا مهما من مستقبل الاقتصاد العالمي القائم على قيادة التكنولوجيا للقطاعات والخدمات المختلفة. لكن القطاع ما زال غير قادر على إيقاف المخاطر المختلفة وعلى رأسها الهجمات السيبرانية، مثل برامج الفدية التي تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي.


الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي