لماذا لم تكتمل ثورة أدوية خفض الوزن ؟

لماذا لم تكتمل ثورة أدوية خفض الوزن ؟

أحدثت فئة جديدة من عقاقير خفض الوزن، تُعرف باسم (GLP-1) تحولا جذريا في علاجات السمنة، وأدرّت أرباحا بمليارات الدولارات على شركتي الأدوية "إيلي ليلي" و"نوفو نورديسك".

إلا أنّ الإقبال المتزايد على هذه الأدوية أميركياً صاحبته بعض التحديات، منها تردد شركات التأمين في تغطية كلفة هذه العلاجات التي قد تصل إلى 16 ألف دولار سنوياً.

وقبل فترة قصيرة، أدى النقص في امدادات علاجات السمنة إلى انتشار بدائل أقل كلفة تنتجها صيدليات تركيب الأدوية. وأعلنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بين أواخر 2024 وبداية 2025 أن "إيلي ليلي" و"نوفو نورديسك" باتتا قادرتين على تلبية الطلب، ما يهدد سوق البدائل غير الأصلية.

المتغير الآخر هو وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي الجديد روبرت كينيدي جونيور الذي أبدى تحفظات تجاه قطاع صناعة الأدوية بشكل عام، لا سيما فئة العقاقير "السحرية" الجديدة.

ما الجديد على صعيد إمدادات أدوية "جي إل بي -1" ؟

الدواءان الرئيسيان من فئة "جي إل بي -1" لعلاج السمنة المتوفران حاليا في السوق هما "ويغوفي" من "نوفو" و"زيبباوند" من "إيلي ليلي".

يحتوي "ويغوفي" على نفس العقار الموجود في "أوزيمبيك"، المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية لعلاج السكري، ولكن بجرعة أعلى قليلاً، بينما يحتوي "زيبباوند" على نفس العقار الموجود في دواء السكري "مونجاروا" من "إيلي ليلي".

وكانت الشركتان واجهتا صعوبات في تلبية الطلب على الدواءين منذ طرحهما قبل بضع سنوات، لكن مشكلة النقص في الإمدادات حُلت إلى حدّ كبير في أوائل 2025، وفقاً لإدارة الغذاء والدواء.

مع تحسن توافر الأدوية الأصلية، قد يؤدي إلغاء إدارة الغذاء والدواء تصنيف هذه العلاجات على أنها تعاني من نقص في الإمدادات إلى تقليص توافر الأدوية المركبة الأرخص. ذلك لأن هذا القرار يعني أن الصيدليات التي تركب الأدوية، وهي صيدليات مرخصة، ستفقد على الأرجح إذن تصنيع نسخ طبق الأصل من أدوية "ليلي" و"نوفو".

ردّت صيدليات تركيب الأدوية برفع دعوى قضائية ضد إدارة الغذاء والدواء. وأصدر قاضٍ اتحادي في 5 مارس حكماً يجبر شركات تركيب الأدوية على التوقف عن صنع نسخ من أدوية "ليلي".

وبناءً على هذا الحكم، على الصيدليات الصغيرة التي تعتمد بشكل رئيسي على تركيب أدوية للأفراد التوقف فوراً عن إنتاج هذه الأدوية، بينما مُنحت الصيدليات الأكبر، وهي منشآت تُوكل بالإنتاج، مهلة حتى 19 مارس للتوقف عن تصنيعها.

فيما لم يبت القضاء بعد بإتاحة نسخ من أدوية "نوفو"، أعلنت شركة "هيم أند هيرز هيلث"، التي تقدم خدمات صحية عن بُعد، في 25 فبراير أنها ستتوقف عن تصنيع بعض النسخ من أدوية "نوفو" تحسباً للحظر المرتقب.

ما هو مستقبل أسعار أدوية "جي إل بي -1"؟

إذا توقفت صيدليات تركيب الأدوية عن صنع هذه العقاقير، سيفقد المرضى القدرة على الحصول على نسخ من علاجات السمنة متوفرة بكلفة لا تتجاوز 200 دولار شهرياً، أي خمس معدل كلفة العقاقير الأصلية من إنتاج العلامات التجارية الكبرى. لكن في المقابل، لا تخضع النسخ المركَّبة لنفس اختبارات السلامة والفعالية الصارمة التي تخضع لها الأدوية الأصلية أو الجنيسة.

أعلنت "إيلي ليلي" و"نوفو" عن خطط لبيع نسخ مخفضة السعر من أدويتهما مباشرة إلى المرضى الذين لا تشمل تغطيتهم التأمينية عقاقير علاج السمنة. وفي 21 فبراير، أعلنت "ليلي" خفض سعر عبوات "زيبباوند" بجرعتي 2.5 و5 ميليغرام بنحو 50 دولاراً، لتصبح 349 و499 دولاراً شهرياً على التوالي.

يقبل المرضى الذين لا تشمل تغطيتهم التأمينية عقاقير إنقاص الوزن، على نسخة من دواء "زيباوند" تأتي في قوارير، وهي تتوفر بنصف سعر الدواء المعبأ في أقلام حقن. إلا أن هذا الخيار الأرخص يتطلب من المستخدمين تعبئة الحقن بأنفسهم عند تلقي الدواء.

في 5 مارس، أعلنت "نوفو" أنها ستبيع النسخة المعبأة في أقلام الحقن من "ويغوفي" بسعر مخفض قدره 499 دولاراً شهرياً للمرضى غير المشمولين بالتأمين الصحي، في حين يبلغ السعر الرسمي لـ"ويغوفي" في الولايات المتحدة حوالي 1350 دولاراً شهرياً.

ما مشكلة التغطية التأمينية ؟

فقد كثير من المرضى تغطية تأمينهم لهذا العلاج، فيما تعذر على آخرين الحصول على هذه التغطية من الأساس بسبب رفض شركات التأمين تسديد ثمن هذه العقاقير الباهظة، فاضطر مستهلكون لدفع اثمانها من جيوبهم، أو الاكتفاء بشراء الدواء المركب.

وفقاً لاستطلاع "ميرسر" الوطني لعام 2024 بشأن خطط التأمين الصحي المدعومة من أصحاب العمل، يوفر 44% من كبار أصحاب العمل تغطية صحية تشمل أدوية خفض الوزن، لكن معظمهم تقريباً يحصرون هذه التغطية بمن يستوفون معايير محددة جداً.

لا يغطي "ميديكير" -وهو برنامج التأمين الصحي الحكومي المخصص للأميركيين من عمر 65 وما فوق- أدوية إنقاص الوزن. وكانت إدارة الرئيس جو بايدن اقترحت قاعدة تلزم البرنامج بتغطية هذه الأدوية، إلا أن القرار النهائي سيُترك لإدارة دونالد ترمب لتقرير ما إذا كانت ستقرّ على هذه القاعدة أو ترفضها.

قال كينيدي، الذي تشرف وزارته على إدارة الغذاء والدواء ومراكز برامج خدمات "مديكير" و"ميديكيد"، إنه رغم أهمية الأدوية، فإن خط الدفاع الأول لتجنب السمنة وغيرها من الأمراض المزمنة "هو نمط الحياة والنظام الغذائي الصحي".

لكن من ناحية أخرى، أيد إلون ماسك، المستشار المقرب من ترمب إتاحة عقاقير "جي إل بي -1" بأسعار جدّ مخفضة للجميع، مشيراً إلى أنه استخدم هذه الأدوية شخصياً.

أي عقار "جي إل بي -1" هو الأكثر فعالية؟

يساعد عقارا السمنة المتوفران في السوق على خفض الوزن من خلال محاكاة هرمون "جي إل بي -1" الذي تفرزه الأمعاء بعد تناول الطعام لتوليد الإحساس بالشبع. كما يستهدف دواء "زيبباوند" هرموناً آخر في الأمعاء يُعرف باسم (GIP) يساعد في خفض مستويات السكر في الدم ويحسّن عملية الأيض.

تفوَّق دواء "زيبباوند" على "ويغوفي" في تجربة سريرية مولتها "إيلي ليلي". وشملت الدراسة 751 مريضاً يعانون السمنة، إذ تراجعت أوزان المرضى الذين تناولوا "زيبباوند" بما نسبته 20.2% خلال 72 أسبوعاً، أما من تلقوا "ويغوفي" فكانت نسبة تراجع أوزانهم 13.7% فقط، وفقاً لإعلان الشركة في أوائل ديسمبر.

يقدم العقاران فوائد إضافية بخلاف إنقاص الوزن. حيث أن "ويغوفي" هو الدواء الوحيد من فئة "جي إل بي -1" الذي ثبت أنه يقي من النوبات القلبية وغيرها من الأمراض القلبية الوعائية الأخرى لدى المصابين بأمراض القلب والسمنة. وفي ديسمبر، أصبح "زيبباوند" أول دواء يُعتمد لعلاج انقطاع التنفس أثناء النوم.

هل يمكن تحسين العقاقير المستقبلية؟

جذبت الأرباح المحتملة عدة شركات أدوية إلى سباق تطوير علاجات لإنقاص الوزن، في حين تعمل الشركتان الرائدتان في هذا المجال، "إيلي ليلي" و"نوفو"، على إنتاج علاجات أكثر فاعلية تتفوق حتى على أدويتهما الحالية قبل انتهاء صلاحية براءات الاختراع. لكن لم يتضح بعد إلى أي مدى يمكن تحسين فعالية "زيباوند"، إن كان ذلك ممكناً أصلاً.

وتختبر "نوفو" دواءً جديداً من الجيل التالي يعرف بـ" كاغريسِيما"، أشار مسؤولو الشركة إلى أنه قد يساعد على خفض أكبر في الوزن مقارنةً مع "زيبباوند"، حيث يجمع "كاغريسِيما" بين هرمون "جي إل بي -1" ومركب آخر يُسمى "كاغريلينتايد،" الذي يحاكي هرمون "أميلين".

فيما تعمل الأدوية القديمة والجديدة على كبح الشهية، تصف شركات الأدوية تأثير العقاقير التي تحاكي هرمون "أميلين" بأنه ألطف من تلك المستندة إلى "جي إل بي -1"، إذ تساعد مستخدميها على الشعور بالشبع لفترة أطول بدلاً من القضاء على رغبتهم في تناول الطعام تماماً.

مع ذلك، أظهرت أول دراسة كبرى على "كاغريسِيما"، نُشرت في ديسمبر، أن الدواء أدى إلى إنقاص الوزن بنسبة 20.4% خلال 68 أسبوعاً، وهي مقاربة لنسبة "زيبباوند". تواصل الشركة اختبار الدواء في تجارب أخرى، بما في ذلك دراسة مقارنة مباشرة مع "زيبباوند".

دواء واعد آخر من الجيل الجديد هو "ريتاتروتايد" من شركة "إيلي ليلي" الذي يحاكي ثلاثة هرمونات: "جي إل بي-1" و"جي أي بي" وطغلوكاغون" الذي يساعد في تنظيم مستويات السكر في الدم. في دراسة خلال المرحلة المتوسطة تعود إلى 2023، مكّن الدواء المرضى من إنقاص ما يصل إلى 24% من أوزانهم. وهو حالياً في المراحل النهائية من التجارب، مع توقع صدور النتائج في 2026.

ما المرحلة التي بلغتها أقراص "جي إل بي -1"؟

تعمل عدة شركات على تطوير أقراص لعلاج السمنة تساعد على إنقاص الوزن دون الحاجة إلى حقن أسبوعية، إلا أن كثيراً من هذه المحاولات اصطدمت بعقبات وتحديات.

اعترضت شركة "فايزر" صعوبات عدة في تطوير أقراص لعلاج السمنة، إذ فشلت إحدى محاولاتها تماماً في يونيو 2023، ثمّ أوقفت في وقت لاحق من العام نفسه التجارب على مركب يُؤخذ مرتين في اليوم، بسبب آثاره الجانبية. وتعمل الشركة الآن على تطوير تركيبة جديدة تُؤخذ مرة يومياً.

انخفضت أسهم شركة "روش" في سبتمبر بعد ربط أقراصها التجريبية بآثار جانبية شديدة في دراسة تمهيدية. وما تزال عدة شركات أخرى في المراحل الأولية من اختبار أقراص السمنة، بما في ذلك شركة "ميرك" (Merck) التي حصلت على ترخيص لدواء تجريبي للسمنة كان ما يزال في مرحلة ما قبل التجارب السريرية في ديسمبر.

بذلك يكون لدى "إيلي ليلي" أحد أقوى أقراص مكافحة السمنة حظوظاً قيد الاختبار، إذ بلغ عقارها "أورفوجلبرون" المراحل النهائية من التجارب، ويتوقع صدور نتيجتها في 2025. كانت نتائج التجارب في المرحلة المتوسطة التي نشرت في 2023، أظهرت أن أوزان المشاركين الذين تلقوا الدواء تراجعت بما يصل إلى 14.7% خلال 36 أسبوعاً.

الأكثر قراءة