خبراء هندسيون: خارطة العمارة تحول المدن السعودية من ريعية إلى محركات اقتصادية
ينتظر أن تسهم خريطة العمارة السعودية في صناعة هوية ثقافية للمدن والمحافظات ودعم القطاعات الثقافية والسياحية والإنشائية في المملكة، بحسب ما أكده خبراء هندسيون لـ "الاقتصادية".
الأستاذ المشارك في قسم التخطيط العمراني في جامعة الملك سعود الدكتور وليد الزامل أكد أن إطلاق هذه الخريطة يمثل ترسيخا للقيم النسبية للمدن السعودية لتعكس الجوانب الثقافية والبيئة الطبيعية والخصائص المكانية بشكل يسهم في تحويل المدن السعودية إلى محركات اقتصادية.
وقال لـ "الاقتصادية" أن "رؤية المملكة 2030 استحضرت تحويل المدن السعودية من مدن ريعية إلى مدن تملك محركات اقتصادية وهذه أحد أهداف الرؤية، ولتفعيل هذا الهدف يبرز أهمية استحضار الهوية المحلية للمدن السعودية ومراعاة التنوع الثقافي لكل مدينة تبعًا لمواردها الاقتصادية وتوظيفها بشكل إيجابي في نموها".
وتوقع أن تعزز العمارة السعودية الاقتصاد المحلي وتدعم القطاعات الثقافية والسياحية من خلال تصاميم تعكس عمارة كل نطاق جغرافي.
محفزات عمرانية واقتصادية
وتابع الزامل: "كل مدينة سعودية اليوم لها مواردها الكاملة وهي أساس المحفزات الأساسية الجانب البيئي والاجتماعي والعمراني والاقتصادي وخصائصها المختلفة عن المدن الأخرى وبالتالي صناعة هوية لكل مدينة يصب في هذا الاتجاه"، موضحا أن الهوية لا تقتصر على الجانب العمراني وإنما تستحضر اقتصاديات السكان فكل مدينة لها جانب تراثي، وتعطي انطباعا كيف كان المجتمع يبني هويته العمرانية ، وكيف شكلت الأجيال المتعاقبة هوياتها العمرانية بالموارد الموجودة لتتحول المدن من مجرد أماكن ريعية للاستقرار السكاني إلى مدن اقتصادية توفر فرص عمل وعوائد اقتصادية.
السعودية أطلقت اليوم خريطة العمارة التي تشمل 19 طرازا معماريا مستوحى من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة بهدف تحسين المشهد الحضري و جودة الحياة وتعزيز التنمية الاقتصادية والناتج المحلي، وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس اللجنة العليا للموجهات التصميمية للعمارة السعودية خلال إطلاقه الخريطة أن العِمَارَة السعودية تعكس تنوع الثقافي والجغرافي للمملكة، مشيرا إلى أنها تأتي ضمن مساعي المملكة في تطوير مدن حضرية مستدامة تتناغم مع الطبيعة المحلية، وتوظف الطراز المعماري التقليدي بأساليب حديثة.
من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة دار التصاميم المعمارية المهندس خالد الناصر لـ "الاقتصادية" إن إطلاق خريطة العمارة السعودية خطوة مهمة تسهم في ترسيخ العمارة السعودية وإبراز تنوعها، مبينا أن أثره عظيم جدًا سواء المعماري أو الاقتصادي والهندسي في المملكة، خصوصًا مع تحديد الطراز الحضري التي تتميز به كل منطقة.
وأضاف: "هذا التنوع يشتق من تراث وموقع كل منطقة لتتناغم في لوحة فسيفساء معمارية سعودية نابعة من جذور العمارة المحلية وبالتالي سيكون لها الأثر في تحسين المشهد الحضري وتسهم في إيجاد سوق جديدة لكل منطقة تعزز الطلب على المنتج المحلي وتقلل من الهدر والاعتماد على المنتجات المستوردة وتوفر المزيد من الفرص الاستثمارية وخلق وظائف جديدة".
وينتظر أن ينعكس تطوير بيئات عمرانية مستوحاة من الطابع المحلي يسهم في دعم النمو الاقتصادي والاستثمار في المدن السعودية بشكل غير مباشر على الاقتصاد الوطني عبر زيادة أعداد الزوار والسياح.
إعادة هيكلة المشهد العمراني
بدوره قال الرئيس التنفيذي لشركة "آد" الهندسية المهندس عيسى التميمي لـ "الاقتصادية" ان اعتماد 19 طرازًا معماريًا ضمن إطلاق ولي العهد العمارة السعودية يعد تحولًا استراتيجيًا في التخطيط الحضري، حيث يسهم في إعادة هيكلة المشهد العمراني وفق رؤية واضحة تعزز الهوية المحلية وتتماشى مع أحدث الممارسات العالمية في التصميم العمراني المستدام، وأضاف التميمي مستشار الهيئة السعودية للمهندسين أن هذه المبادرة ليست مجرد تصنيف لأنماط البناء، بل هي إطار تنظيمي متكامل يحقق التوازن بين الأصالة والحداثة، ويضمن انسجام الكتل العمرانية مع النسيج الحضري، ما يفتح المجال أمام التنمية الحضرية الموجهة وفق ضوابط تصميمية ومعايير أداء حضري متقدمة.
وحول دور الهوية العمرانية في تحسين جودة الحياة قال التميمي إنها تتماشى مع مستهدفات رؤية 2030 في تعزيز المشهد الحضري وتحسين جودة الحياة عبر تحقيق كفاءة عمرانية أعلى من خلال توجيه أنظمة البناء نحو حلول تصميمية مستدامة تتناسب مع الخصائص البيئية لكل منطقة، ورفع جودة البناء عبر دمج معايير التصميم العمراني مع مبادئ التخطيط المستدام، ما يعزز من كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وأضاف: "بالإضافة إلى تقليل العشوائية العمرانية من خلال وضع أدلة إرشادية تحكم العلاقة بين المباني والمساحات العامة، مما يسهم في تعزيز المشهد الحضري، وتعزيز استجابة المدن للنمو العمراني عبر توفير مرونة تخطيطية تتيح تطوير البيئات الحضرية وفق احتياجات السكان المتغيرة".
جهود تطبيق العِمَارَة السعودية تتكامل عبر الشراكة بين الجهات الحكومية، والمكاتب الهندسية، والمطورين العقاريين، حيث ستوفر استوديوهات التصميم الهندسي الدعم اللازم للمهندسين والمصممين لضمان تحقيق أعلى معايير الجودة والاستدامة، مع توفير الإرشادات الهندسية والورش التدريبية لتأهيل الكفاءات المحلية.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
أما الأثر الاقتصادي والاجتماعي على القطاع العمراني والهندسي يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة "آد" الهندسية أن تحديد الهوية العمرانية يؤثر بشكل مباشر على القطاعات الهندسية والعقارية، حيث يسهم في تحفيز سوق التطوير العقاري عبر تقديم رؤية واضحة للفراغات العمرانية، مما يعزز من جدوى المشاريع الاستثمارية ويحقق عوائد اقتصادية مستدامة، ورفع مستوى التنافسية بين المكاتب الاستشارية والمطورين، حيث يؤدي التزام التصميمات بالأنماط المحددة إلى تطوير حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات العمرانية، إضافة إلى دعم توطين المعرفة الهندسية عبر خلق بيئة معمارية متخصصة تتيح للكوادر الوطنية المشاركة في صياغة المشهد الحضري المستقبلي، وتعزيز الاستدامة البيئية من خلال تكامل الهوية العمرانية مع منهجيات التصميم المستدام، ما يسهم في خفض البصمة الكربونية وتقليل استهلاك الطاقة والمياه.
خريطة العِمَارَة السعودية تشمل: "العِمَارَة النجدية، العِمَارَة النجدية الشمالية، عِمَارَة ساحل تبوك، عِمَارَة المدينة المنورة، عِمَارَة ريف المدينة المنورة، العِمَارَة الحجازية الساحلية، عِمَارَة الطائف، عِمَارَة جبال السروات، عِمَارَة أصدار عسير، عِمَارَة سفوح تهامة، عِمَارَة ساحل تهامة، عِمَارَة مرتفعات أبها، عِمَارَة جزر فرسان، عِمَارَة بيشة الصحراوية، عِمَارَة نجران، عِمَارَة واحات الأحساء، عِمَارَة القطيف، عِمَارَة الساحل الشرقي، والعِمَارَة النجدية الشرقية".
وحول دور العمارة السعودية في التمايز الحضري قال التميمي: "يركز تنوع الطرازات المعمارية على إعادة تعريف الهويات الحضرية وفق خصائص كل منطقة، ما يحقق إعادة رسم الحدود البصرية لكل مدينة عبر أنماط تصميمية تتكامل مع بيئتها الثقافية والجغرافية، وتوجيه التنمية العمرانية وفق منهجية تخطيطية واضحة، ما يسهم في الحفاظ على الطابع المحلي وتحقيق التناغم البصري بين العناصر المعمارية، وإرساء معايير للتكامل العمراني بين الكتل البنائية، ما يعزز جودة المشهد الحضري ويرفع من مستوى الإدراك البصري للفراغات الحضرية".
التميمي اختتم حديثه بالتأكيد على أن الإطلاق نقلة نوعية في مستقبل التخطيط العمراني السعودي، حيث يمثل هذا التوجه مرحلة متقدمة في تخطيط المدن السعودية، كما يسهم في تحقيق توازن استراتيجي بين التراث العمراني والتطور الحضري الحديث، مما يعزز من كفاءة استخدام الأراضي ويوفر حلولًا مرنة لإدارة النمو السكاني والعمراني، وأضاف "مع تفعيل هذه الطرازات، تصبح المملكة نموذجًا عالميًا في تطبيق مبادئ التخطيط المستدام وتعزيز جودة البيئة العمرانية، بما يتماشى مع تطلعات التحول الوطني نحو مدن أكثر ابتكارًا واستدامة".
ويتوقع أن تحفز العمارة السعودية الإبداع، بحيث توجه عملية التصميم المعماري والعمراني نحو حلول معاصرة تعكس القيَم الجمالية والتراثية السعودية، ما يسهم في تطوير بيئة عمرانية حديثة ومتجذرة في الطابع المحلي، كما تعزز الاقتصاد المحلي، وتدعم القطاعات الثقافية والسياحية، من خلال تصاميم تعكس عمارة كل نطاق جغرافي.
وأخيرا قال المهندس عمر الناصر المستشار في الهندسة المعمارية إن خريطة العمارة السعودية راعت مبادئ البساطة في الطرح والأسس المتعلقة بتكوين الأنماط المرتبطة بالمواد المستخدمة للعمران في كل منطقة، مؤكدًا أهمية تطبيق مفردات العمارة القديمة بشكل ذكي يتوائم مع الأساليب الحديثة، لافتًا إلى أن المصممين في السعودية يواجهون تحديًا جديدًا للخروج بأنماط عمرانية إبداعية مبتكرة تتوائم مع الأنماط الثلاث (التقليدي، والانتقالي، والحديث)، وأقترح وجود جهة محكمة لتطبيق الأنماط وتطبيقها بشكل مبتكر وسريع.