البنوك المركزية تتحرك بحذر وسط ضبابية حروب ترمب التجارية
أحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تغييرا جذريا في التجارة العالمية والتوافق الدولي بشأن الأمن بعد الحرب العالمية الثانية، والآن يثير الفوضى في عمل البنوك المركزية، إذ يتعرض صناع السياسة النقدية للاضطراب بسبب التقلبات في سياسات البيت الأبيض، وتقلص الأسواق توقعاتها لخفض أسعار الفائدة على مستوى العالم.
لم يعد محافظو البنوك المركزية "في الواجهة أو المتحكمين بإيقاع السياسة الاقتصادية الكلية"، كما يقول تييري ويزمان، المحلل الاستراتيجي في مؤسسة "ماكواري"، بل "أصبحوا الآن تابعين، يفقدون قدرتهم على التأثير لصالح التطورات في الهيئات التشريعية الفيدرالية، والمقرات التنفيذية، والقاعات الدبلوماسية".
البنوك المركزية.. انتظار وترقب
شدد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، على حالة عدم اليقين بشأن التوقعات، وأبقى أسعار الفائدة الأمريكية دون تغيير يوم الأربعاء، وذلك قبل أسبوعين من فرض ترمب المتوقع لموجة من الرسوم الجمركية الانتقامية.
فيما تخلى بنك إنجلترا بعد ذلك عن توجهه لخفض الفائدة يوم الخميس، وأعلن البنك المركزي السويدي (ريكس بنك) انتهاء دورة التيسير النقدي، في ظل تعقيد الأوضاع الدولية.
عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي كلاس نوت قال "من الصعب للغاية التنبؤ بالاتجاه الذي ستتحرك نحوه أسعار الفائدة"، مشيرا إلى صعوبة التنبؤ بما إذا كان التضخم في منطقة اليورو سيرتفع أم ينخفض نتيجة الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، إضافة إلى زيادة الإنفاق على البنية التحتية والدفاع في أنحاء التكتل.
في الوقت الحالي، فإن المسار الأكثر أماناً للبنوك المركزية هو إبقاء السياسات النقدية بدون تغيير. فكلما ازداد الغموض حول المستقبل، زادت الحكمة في الترقب والانتظار.
ضبابية سياسات ترمب التجارية
كبير الاقتصاديين في "أليانز تريد" ماكسيم دارميه قال "أصبحت حالة عدم اليقين المتصاعدة بشأن السياسة التجارية مصدر قلق رئيسي للبنوك المركزية، لأنها قد تؤدي إلى إضعاف النشاط الاقتصادي بشكل كبير"، مضيفا "المزيج السيئ من ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية والتضخم المرتفع وضعها (البنوك المركزية) في موقف صعب".
تحول بنك إنجلترا يوم الخميس بعيداً عن موقفه التيسيري- رغم عدم حدوث تغييرات كبيرة في الظروف الاقتصادية- جاء ليعكس النهج الجديد. وتم الإبقاء على أسعار الفائدة عند 4.5%، كما كان متوقعاً، لكن عضواً فقط صوّت لصالح الخفض، خلافاً للتوقعات التي رجحت تأييد اثنين أو ثلاثة أعضاء.
لعبت العوامل المحلية دورا إذ لا يزال نمو الأجور المرتفع في المملكة المتحدة مصدر قلق لكن بنك إنجلترا اختار التركيز على المخاطر الدولية. وذُكرت كلمة "عدم اليقين" أو إحدى مشتقاتها 15 مرة في محضر اجتماع بنك إنجلترا، أي أكثر من ضعف عدد المرات التي وردت في تقرير الاجتماع السابق قبل ستة أسابيع.
يمكن رصد التوجه نفسه عالمياً، حيث أبقى البنك المركزي السويدي (ريكس بنك) على أسعار الفائدة دون تغيير، وأشار إلى انتهاء دورة التيسير النقدي، مما عزز ارتفاع الكرونة هذا العام.
الرسوم الجمركية تلقي بظلالها
كان التضخم المستمر في أسعار الغذاء عاملاً رئيسياً، لكنه أشار أيضاً إلى أن "حالة عدم اليقين في الخارج مرتفعة بشكل غير عادي". وقال كايل تشابمان، محلل أسواق العملات الأجنبية في مجموعة "بالينغر"، إن "ريكس بنك" يتميز حقاً وسط عدد كبير من البنوك المركزية التي تعاني من حالة عدم اليقين في الوقت الحالي".
خالف البنك الوطني السويسري الاتجاه العام وخفض أسعار الفائدة يوم الخميس لتخفيف الضغوط الصعودية على الفرنك السويسري، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات الاضطراب. ومع ذلك، وأشار إلى أن مزيدا من الخفض يبدو غير مرجح.
ألقت التعريفات الجمركية بظلالها الثقيلة على البنوك المركزية في اليابان وإندونيسيا وتايوان، التي أبقت جميعها على أسعار الفائدة دون تغيير هذا الأسبوع.
محافظ بنك اليابان كازو أويدا قال للصحفيين بعد القرار "من الصعب تحديد مدى اقترابنا من تحقيق هدفنا في ظل ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية في الولايات المتحدة وخارجها". فيما واصلت البنوك الصينية الإبقاء على تكاليف الاقتراض دون تغيير للشهر الخامس على التوالي.
خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا الشهر، لكن المتداولين قلّصوا رهاناتهم على مزيد من الخفض، وهم الآن منقسمون بشكل شبه متساوٍ بين توقع خفض آخر أو الإبقاء على الفائدة دون تغيير خلال اجتماع 16-17 أبريل.
أوروبا تحذر من التداعيات
أكدت الرئيسة كريستين لاغارد يوم الخميس أن اتباع نهج تقييم الأوضاع "اجتماع بعد آخر" يظل الخيار الأكثر أماناً نظراً للتداعيات بعيدة المدى لسياسات البيت الأبيض، في حين وصفت لاغارد بنفسها حالة عدم اليقين بأنها "هائلة" عقب الاجتماع الأخير لمجلس المحافظين، وأفادت بأن بعض زملائها وصفوها بأنها " غير مسبوقة".
فرض ترامب تعريفات جمركية على كل من المكسيك وكندا والصين والاتحاد الأوروبي، مما دفع هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. ومع ذلك، يلوح في الأفق خطر أكبر وهو برنامج عالمي للتعريفات الجمركية المتبادلة من شأنه إعادة التوازن إلى النظام التجاري العالمي.
وتعهّد ترمب باتخاذ قرار بشأن ذلك في 2 أبريل. ومن شأن إعادة هيكلة التحالفات العسكرية الدولية، مثل حلف الناتو، تضيف بُعداً إضافياً من المخاطر.
زيادة الإنفاق العسكري
على الجانب الآخر، تستعد الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، مع اقتراض مئات المليارات من اليورو لتعزيز القدرات العسكرية، ما ستكون له تداعيات على الأسواق التي ستتولى تمويل هذه البرامج.
بعد الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير يوم الأربعاء، شدد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على الحاجة إلى انتظار وضوح أكبر بشأن سياسات إدارة ترمب- بما في ذلك التعريفات الجمركية- قبل إجراء أي تعديل على أسعار الفائدة.
أظهرت التوقعات المحدثة أن معظم مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يرون حالة عدم يقين أكبر بشأن أحدث توقعاتهم للنمو والتضخم والبطالة.والاضطرابات السياسية تعكر صفو التوقعات الاقتصادية في كل مكان.
خفضت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي خلال عامين بسبب ارتفاع الحواجز التجارية الناتجة عن التعريفات الجمركية وحالة عدم اليقين السياسي بشأن تطبيقها، وعادة ما يشير تباطؤ النمو إلى الحاجة لخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، لكن التعريفات الجمركية قد تؤدي أيضاً إلى ارتفاع التضخم، ما قد يستدعي رفع الفائدة بدلاً من خفضها.
مع ذلك، فإن ترمب، الذي أشعل فتيل هذا الاضطراب، لديه حله الخاص لحالة عدم اليقين التي تواجهها البنوك المركزية، إذ كتب في منشور على منصة تروث سوشال: "سيكون الفيدرالي في وضع أفضل بكثير إذا خفض الفائدة، مع بدء تراجع تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية بشكل مخفف داخل الاقتصاد، تصرفوا بالشكل الصحيح، 2 أبريل سيكون يوم التحرير في أمريكا".