الأحذية .. من ضرورة حياتية إلى أيقونة استثمارية في سوق مقدرة بـ 500 مليار دولار
تتجه سوق الأحذية العالمية إلى تحقيق إيرادات بنحو 506 مليار دولار مع نهاية 2025، بمعدل نمو سنوي قدره 2.37% خلال 5 سنوات، وفقا لشركة ستاتيستا (Statista) الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين.
ولم تكن الأحذية في بداياتها مجرد زينة أو رفاهية، بل كانت استجابة ضرورية لظروف الطبيعة القاسية، حيث استخدم الإنسان النعال الجلدية البدائية لحماية الأقدام، مرافقًا إياها في أسفاره ورحلاته. ومع مرور العصور، أصبحت شاهدا على تعاقب الحضارات مع بصمات خاصة لكل مجتمع.
الأحذية ارتبطت بالسلطة والمكانة الاجتماعية في مصر القديمة كمثال، وبينما ميّزت طبقات المجتمع في روما واليونان وفقًا لنوع الحذاء الذي يرتدونه. ومع حلول القرن السابع عشر في أوروبا، أصبحت الأحذية امتيازًا للأرستقراطيين، حيث ارتدى الرجال والنساء على حد سواء الأحذية ذات الكعب العالي كرمز للجاه والمكانة، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى عنصر أساسي في الأزياء النسائية.
صناعة بمليارات الدولارات
من حيث توليد الإيرادات، ستكون الصين هي الرائدة في السوق العالمية، حيث من المتوقع أن تبلغ إيراداتها 120 مليار دولار خلال العام الجاري، وبالنظر إلى العدد الإجمالي للسكان في العالم، تشير البيانات إلى أن إيرادات الفرد من سوق الأحذية ستبلغ 64.74 دولار.
كما يتوقع أن يصل حجم سوق الأحذية إلى نحو 15 مليار زوج بحلول 2029، مع نمو سنوي بنسبة 0.8% العام المقبل، وفيما يتعلق بمبيعات الأحذية، يُتوقع أن يشتري كل فرد متوسط 1.86 زوج من الأحذية 2025.
وفي سياق الاتجاهات الحالية، ستستحوذ الأحذية غير الفاخرة على 92% من إجمالي مبيعات السوق، تشهد الأحذية المستدامة طلبًا متزايدًا عالميًا، حيث تقود دول مثل إيطاليا وإسبانيا الاتجاه باستخدام مواد وطرق إنتاج مبتكرة وصديقة للبيئة، ما يعزز استدامة هذا القطاع.
احتكار العلامات التجارية
لم تعد بعض الأحذية مجرد إكسسوارات، بل تحولت إلى قطع استثمارية توازي في قيمتها اللوحات الفنية والمجوهرات، إذ تحتكر علامات تجارية كبرى مثل Nike وAdidas وPuma وGucci وLouboutin السوق العالمية.
وأصبح من المعتاد أن يُباع حذاء رياضي بملايين الدولارات، كما حدث مع نسخة Nike Air Jordan 13 التي ارتداها مايكل جوردان خلال نهائيات الدوري الأمريكي لكرة السلة عام 1998، التي بيعت في مزاد Sotheby’s مقابل 2.2 مليون دولار، محققة الرقم القياسي كأغلى حذاء رياضي في التاريخ.
أما في عالم الأحذية الفاخرة، فقد وصلت الأسعار إلى مستويات خيالية، مثل حذاء Passion Diamond Shoes المرصع بالألماس، الذي عُرض في دبي بسعر 17 مليون دولار، ليصبح الأغلى في العالم.
من الشغف إلى الاستثمار
لم تعد سوق الأحذية الفاخرة مقتصرة على القطع الجديدة، بل ازدهرت تجارة إعادة بيع الأحذية المستعملة، حيث تُباع الإصدارات النادرة بأسعار تفوق قيمتها الأصلية بأضعاف.
وفقًا لمنصة StockX، يمكن لبعض الأحذية الرياضية أن ترتفع قيمتها بنسبة تتجاوز 500% خلال بضع سنوات، كما هو الحال مع Yeezy Boost 350، الذي صممه المغني الأمريكي كانييه ويست بالتعاون مع Adidas.
وقُدرت قيمة سوق الأحذية الرياضية عالميًا بنحو 79 مليار دولار في 2023، مع توقعات ببلوغها 120 مليار دولار بحلول 2030.
سلعة استثمارية تضاهي الممتلكات الفاخرة
لعب المشاهير والرياضيون دورًا رئيسيًا في تحويل الأحذية إلى سلعة استثمارية تضاهي الممتلكات الفاخرة. فقد بيع حذاء Nike Air Ship، الذي ارتداه مايكل جوردان في بداياته، في مزاد Sotheby’s مقابل 1.47 مليون دولار عام 2021، بينما بيع Nike Air Yeezy 1، الذي ارتداه كانييه ويست، مقابل 1.8 مليون دولار، محققًا رقمًا قياسيًا في سوق إعادة بيع الأحذية.
ومع ازدياد الطلب على الأحذية النادرة، ظهرت منصات مثل GOAT وStockX، التي أصبحت بمثابة بورصات حقيقية للأحذية، حيث تُتداول الإصدارات النادرة بأسعار تفوق قيمتها الأصلية بعشرة أضعاف أحيانًا.
ولم يقتصر هوس الأحذية على عشاق الموضة، بل امتد ليشمل شخصيات سياسية وفنية بارزة. على سبيل المثال، يمتلك الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إصدارًا خاصًا من Nike Hyperdunk يحمل توقيعه، وتُقدر قيمته بأكثر من 25 ألف دولار في السوق.
ومع هذا الاهتمام المتزايد، خصصت بعض الدول متاحف كاملة للأحذية، مثل Bata Shoe Museum في كندا، الذي يضم أكثر من 13 ألف زوج من الأحذية توثق تاريخها وتحولها من وسيلة لحماية الأقدام إلى سلعة استثمارية.
شاهدا على عصر تتداخل فيه الموضة مع الاقتصاد
لم تعد الأحذية مجرد ضرورة يومية أو قطعة مكملة للأناقة، بل باتت تمثل مزيجًا فريدًا بين التراث، الفن، والاستثمار. فقد يكون امتلاك زوج نادر من الأحذية بمثابة كنز يتضاعف سعره مع الزمن، ليصبح شاهدًا على عصر تتداخل فيه الموضة مع الاقتصاد، وتحول فيه الشغف إلى استثمار حقيقي بمليارات الدولارات.
