أيهما هو السلعة: الأرض أم المشروع؟

لكل سوق مراحلها المختلفة من النشأة إلى النمو ثم النضج والاستقرار وصولا إلى التمييز بين الجيد والجاذب وصولا إلى تقسيم الاحتياجات بحسب شريحة متنوعة من المستفيدين والمستهلكين النهائيين لكل سلعة في أي من القطاعات الاقتصادية وتتأثر هذه السلع بالدورات الاقتصادية وتنامي الطلب عليها، وأيضا تؤثر التشريعات بشكل مستمر في السلع في الطلب والتسعير، فكلما زاد الطلب على منتج معين ارتفعت الحاجة إلى أن يكون لسوق هذه السلع تنظيم وتشريع أكبر يلبي الطلب ويعزز عدالة التعامل فيها. هذه القواعد أساسية شهدتها جميع أسواق السلع منذ أن عرف العالم مقايضة السلع وتداولها بالشراء والبيع انطلاقا من الذهب وصولا إلى المحاصيل الزراعية مرورا بالعقارات.

استقبلت السوق العقارية الأسبوع الماضي تجاوبا حكوميا يعكس المتابعة والرصد المستمر لجميع القطاعات الاقتصادية في السعودية حيث أعلن الموافقة الكريمة لبدأ خطة تشريعية أطلقها سمو ولي العهد تستهدف القطاع العقاري على وجه الخصوص في 3 محاور رئيسية تلمس المستفيدين في القطاع مالك العقار بائع و مشتري, المطور ,المؤجر والمستأجر حيث أعلن رفع الإيقاف لأراضي بمساحة 81.48 كيلو متر مربع, ثانيا ستبدأ الهيئة الملكية لمدينة الرياض بتوفير قطع سكنية بأعداد تراوح بين 10,000 إلى 40,000 قطعة أرض بسعر لا يتجاوز 1500 ريال للمتر تراعي موازنة العرض والطلب, ثالثا إجراء تعديلات على رسوم الأراضي البيضاء, رابعا وأخيرا ضبط العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر بتفعيل إجراءات نظامية سيتم نشرها خلال 90 يوما منذ الموافقة الكريمة.

3 من أصل 4 إجراءات تلمس مباشرة المستفيدين من السلع العقارية في طرفي المعادلة من تملك واستئجار ويبقى نظام الأراضي البيضاء لوحدة يملس تجار العقارات بشكل مباشر وتحفيز توفير المعروض وتطويره ليصل الأثر إلى المستهلك النهائي بشكل غير مباشر.

أمضت السوق العقارية سنوات طويلة وهي مخزن للقيمة، مصدر مؤكد لنمو الثروات، استفاد من ذلك لسنوات طويلة أجيال متعاقبة استفادت من النمو الاقتصادي والسكني حتى وصل الطلب على العقار معدلات قياسية بعد تمدد مساحات المدن حول السعودية والنمو السكاني وتبقى الرياض صاحبة القفزات السعرية الأكبر وصاحبة أحد معدلات النمو الأسرع، ما دفع الأسعار لمستويات تاريخية.

الموافقة الكريمة وتوجيهات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء تلمس الجانب الاجتماعي والاقتصادي معا فمن الناحية الاجتماعية ضمان توفير المساكن وتملكها أحد أهم أولويات القيادة وكذلك أحد ركائز مستهدفات رؤية السعودية 2030 ففي هذا ضمان لجودة الحياة واستقرار اجتماعي أكبر بمراعاة توفير خيارات تعطي المستفيد حق الاختيار بين سلعة بـ 10 آلاف أو سلعة 1,500 أو بينمها. اقتصاديا هذه القرارات ستعزز المعروض ليلبي الطلب المتنامي على العقارات بكافة شرائحها في المملكة والرياض على وجه الخصوص فلن تتسم العقارات بالندرة عبر إتاحة المساحات وتغذية السوق بمعروض من الأراضي يلبي الاحتياج. الأهم في هذا كله أن هذه القرارات لا تعد تدخل في السوق العقارية وإنما تطوير لجودة السوق عبر تحفيز التطوير، توفير العقارات في الشقين العقاري والسكني. أيضا فهي تعزز مفهوم العقار كصناعة وليس مخزن للقيمة فهي سلعة تطويرها يعزز الطلب على قطاعات كثيرة متقاطعة مع العقار.

إن تطوير منظومة سوق العقار سيوصلها إلى ممارسة تماثل الأسواق العالمية قطعة الأرض بذاتها ليست السلعة وإنما ما يقام عليها من مشاريع هي السلعة والصناعة وهذا سيعزز من تنافسية وتطور السوق لمصلحة المستفيد النهائي والطلب الاقتصادي دون المساس في تلبية احتياجات الأفراد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي