ما وراء النفط: تآزر الخليج وآسيا يشعل ثورة في الطاقة المتجددة

ما وراء النفط: تآزر الخليج وآسيا يشعل ثورة في الطاقة المتجددة

تُعمّق دول الخليج، التي لطالما ارتبط اسمها بالثروة النفطية، اعتمادها المتبادل مع الصين ودول جنوب شرق آسيا في مجال الطاقة، حيث وقّعت سلسلة من الاتفاقيات التاريخية في الأشهر الأخيرة لمشاريع في الطاقة المتجددة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، في ظل تحول العالم بعيدا عن الوقود التقليدي.

في حين أن للتوسّع السريع في شراكات الطاقة المتجددة بين الصين والخليج دوافع اقتصادية، إلا أن تأثيره قد يصل إلى إعادة تشكيل سياسات الطاقة العالمية، بحسب ما ذكرته صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست.

في الوقت الحالي، لا يبدو أن الغرب يعد هذه الشراكات تهديدا مباشرا، ولكن من الصعب تجاهل تداعياتها، كما يقول محللون.

تزود دول الخليج آسيا بنحو نصف وارداتها النفطية، إضافة إلى كميات هائلة من الغاز الطبيعي المسال والبتروكيماويات الضرورية لصناعاتها التحويلية.

يقول روبرت موجيلنيكي، الباحث في معهد دول الخليج العربية بواشنطن: "عندما نتحدث عن ديناميكيات الطاقة، فليس من الصعب إيجاد بُعد جيوسياسي".

ومن جانبها، تقول عائشة السريحي، باحثة غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، إنه في خضم الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، ترى بكين أن "دول الخليج فرصة استثمارية إستراتيجية ومركز لإعادة التصدير" للالتفاف على القيود التجارية الأمريكية.

وعلى عكس تجارتهما طويلة الأمد في النفط والغاز، كانت استثمارات الطاقة المتجددة بين الصين والخليج طريقا ذا اتجاهين منذ البداية. في 2019، استحوذ صندوق طريق الحرير الصيني على حصة 49% في شركة أكوا باور السعودية، التي عززت منذ ذلك الحين مشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء الخليج وإفريقيا وآسيا الوسطى.

وفي يناير الماضي، دخلت أكوا باور السوق الصينية، بالشراكة مع شركة صن جرو للطاقة المتجددة ومجموعة مينجيانج للطاقة الذكية لتطوير مشروعين من المتوقع أن تتجاوز طاقتهما 1 جيجاوات.
تعهدت الشركة باستثمار 30 مليار دولار أمريكي في الطاقة المتجددة في الصين بحلول 2030، مستفيدة من خطط بكين لتركيب محطات طاقة نظيفة بقدرة تراوح بين 250 و300 جيجاوات سنويا.

"هناك تآزر طبيعي بين دول الخليج والصين في مجال الطاقة المتجددة"، حسبما قال موجيلنيكي لصحيفة ساوث تاشينا مورنينج بوست.

وأضاف أن دول الخليج حريصة على تنويع مصادر الطاقة، بينما قدمت الشركات الصينية خبراتها الفنية ورأسمالها الاستثماري.

يتماشى التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة مع طموحات دول الخليج لتحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول منتصف القرن، وتنويع اقتصاداتها بعيدا عن الهيدروكربونات. من جهتها، قالت السريحي: إن الاستثمارات الخارجية في الطاقة النظيفة تُسهم أيضا في ترسيخ "اعتماد متبادل طويل الأمد" يتجاوز النفط والغاز.

تُتيح الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا، بطموحاتهما المشتركة في مجال الطاقة المتجددة، فرصة لدول الخليج لتعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية في عالم منقسم.

وأضافت السريحي "هذا يُتيح فرصة لاتباع إستراتيجية متعددة الأطراف لا سيما في ضوء التراجع الملحوظ في مشاركة الولايات المتحدة في المنطقة".

بالنسبة إلى الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا، تُوفر العلاقات القوية مع الخليج أيضا حاجزا في مواجهة التعريفات الجمركية والقيود التجارية الأمريكية، مع إتاحة الوصول إلى رأس المال الوفير في المنطقة.

ورغم سلسلة صفقات الطاقة المتجددة الأخيرة، من المتوقع أن تُهيمن الهيدروكربونات على العلاقات بين دول الخليج وآسيا لبعض الوقت.

وقالت: "ستكون دول الخليج الناجي الوحيد" في إنتاج الهيدروكربونات وتصديرها، مشيرة إلى انخفاض التكلفة فيها وانخفاض انبعاثاتها الكربونية وتوسع صناعاتها البتروكيماوية.

في الوقت نفسه، ظلت آسيا "محور الطلب العالمي على الطاقة"، مع تأخر التقدم في مجال إزالة الكربون عن المناطق الأخرى.

وكما قال موجيلنيكي، فإن المسار يشير إلى "تعاون أكبر، لا أقل، في المستقبل".

الأكثر قراءة