هل يستمر نزيف أسهم قطاع التكنولوجيا العالمي؟
يعيش قطاع التكنولوجيا أزهى فتراته التاريخية، حيث أصبحت خدماته تتحكم في حركة الاقتصاد العالمي، وتعتمد عليه مختلف القطاعات من الزراعة والصناعة إلى النقل والرعاية الصحية. كما أضافت التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي زخمًا إضافيًا للقطاع وجعلته محل منافسة شرسة بين أهم الاقتصادات في العالم. ولكن التقلبات التي يعيشها الاقتصاد العالمي سواء على المستوى الجيوسياسي أو التجاري شكلت حجر عثرة أمام القطاع في الشهور الأخيرة. في الولايات المتحدة فقد مؤشر "ناسداك" الذي يضم الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا خلال آخر شهر ما يقرب من 14% من قيمته السوقية. متأثر بشكل رئيسي بالخسائر التي لحقت بعملاقة التكنولوجيا مثل أبل وإنفيديا ومايكروسوفت.
الخسائر لم تتوقف عند الأسواق الأمريكية بل طالت أيضا الآسيوية والأوروبية. التراجع في أسواق الأسهم جاء كنتيجة مباشرة لعدة أسباب على رأسها الأوضاع التجارية غير المستقرة بين أهم الفاعلين في الاقتصاد العالمي. حيث تنذر باتخاذ إجراءات مضادة من مختلف الأطراف. يلقي ذلك بضغوط على القطاعات التقنية سواء من ناحية التأثير في سلاسل الإمداد والتوريد للصناعات الهامة مثل الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. إضافة إلى التأثير في خدمات الشركات في الأسواق الخارجية عبر فرض رسوم على الخدمات الرقمية، إضافة إلى القيود على دخول أسواق الدول والتشريعات المتعلقة بالمنافسة.
الأمر الذي يهدد بتراجع إيرادات شركات قطاع التكنولوجيا العالمية. العوامل الجيوسياسية أدت دورا مهما في الأزمة الحالية. حيث يدفع استمرار التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وفي منطقة الشرق الأوسط إلى تفضيل المستثمرين والأفراد الملاذات الآمنة للاستثمار مثل السندات الحكومية والذهب والفضة مقابل تخفيض الاستثمارات في الأصول ذات المخاطر المرتفعة مثل أسهم شركات التكنولوجيا. وهو ما يؤدي إلى خروج الأموال من أسواق الأسهم إلى الاستثمارات المستقرة، الأمر الذي يخلق ضغوطًا على أسعار الأسهم ويدفعها للتراجع.
تصاعد حدة التنافس التكنولوجي وبالأخص بين الصين والولايات المتحدة يلقي أيضا بضغوط على القطاع. حيث تؤدي المنافسة إلى اتخاذ إجراءات مضادة تتضمن قيود على الصادرات وبالأخص في قطاعات مثل أشباه الموصلات المتقدمة والمعادن النادرة. وهو ما يخلق اضطرابات في سلاسل الإمداد والتوريد للصناعة، ويؤثر في مبيعات الشركات في أهم الأسواق الدولية.
تشكل التكاليف المرتفعة اللازمة لتطوير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي ضغطًا على القطاع. ففي يناير من عام 2025 أثارت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الشك في قطاع التكنولوجيا العالمي مع إعلانها تطوير نموذج للذكاء الاصطناعي بتكاليف منخفضة مقارنة بالنماذج السائدة، إضافة إلى قدرته على خفض استهلاك الطاقة.
صنع ذلك حالة من الفوضى بين المنخرطين في القطاع الذين قاموا بإنفاق مئات المليارات من الدولارات على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ودفع عديد منهم لإعادة ترتيب الأولويات فيما يخص حجم الإنفاق المستقبلي. ويظل السؤال الأهم إلى أي مدى يستمر نزيف الخسائر للقطاع؟ الإجابة تتوقف بشكل مباشر على التطور في معالجة التقلبات في الأوضاع الجيوسياسية والتجارية العالمية وهو ما سيمسح للأسواق بإعادة التصحيح.
تعزيز التعاون بين القوى التكنولوجيا الكبرى وإيجاد حلول للقضايا العالقة وإعادة فتح الأسواق تشكل أولوية قصوى لعدم انزلاق القطاع إلى أزمات سيكون من الصعب السيطرة عليها. وتعيد أذهان العالم إلى بداية القرن الحالي وانتشار فقاعة " الدوت كوم".
اتجاه البنوك المركزية لمزيد من التخفيضات لأسعار الفائدة سيسهم في تخفيف الضغوط على شركات التكنولوجيا. فمن ناحية ستخفض تكاليف الاقتراض اللازمة لتمويل المشاريع الحالية والمستقبلية، ومن ناحية أخرى سيؤدي خفض الفائدة إلى إعادة توجيه الاستثمارات إلى أسواق الأسهم كبديل للسندات. وهو ما سيعيد الزخم من جديد للقطاع.
ختامًا فأن قطاع التكنولوجيا يعيش أيامًا صعبة في ظل وضع تجاري وجيوسياسي متقلب وبيئة اقتصادية مليئة بالتحديات. ولكن الأهمية التي أصبح القطاع يتمتع بها في هيكل الاقتصاد العالمي والخبرة الكبيرة التي اكتسبتها شركاته في العقود الأخيرة تجعله قادر على تخطى الأزمة وتجنب الصدمات القاسية.