هل تلاعبت الصين بسندات الخزانة الأميركية؟

هل تلاعبت الصين بسندات الخزانة الأميركية؟

بعد أسبوع من التقلبات الحادة في سوق السندات الأميركية، أصبحت حيازات الصين من سندات الخزانة محل تدقيق متزايد من قِبل المحللين حول العالم.

وقد ذهب البعض إلى حد الإشارة -دون أدلة قاطعة- إلى أن عمليات بيع من بكين ربما ساهمت في دفع عائدات السندات لأجل ثلاثين عاماً لتحقيق أعلى ارتفاع لها منذ جائحة كورونا، وما تبعها من تقلبات. بينما يناقش آخرون ما إذا كانت الصين قد تلجأ مستقبلاً إلى تصفية الديون الأميركية كنوع من الرد على الرسوم الجمركية الشديدة التي فرضتها الولايات المتحدة عليها منذ قرن من الزمن.

وكتب أتارو أوكومورا، كبير استراتيجيي أسعار الفائدة في "SMBC Nikko Securities" في طوكيو، في مذكرة للعملاء: "قد تكون الصين تبيع سندات الخزانة كإجراء انتقامي". و"إذا كان هذا صحيحاً، فإن لدى الصين حافزاً لإظهار أنها لا تتردد في التسبب باضطرابات في الأسواق المالية العالمية من أجل تحسين قدرتها التفاوضية أمام الولايات المتحدة".

تصعيد حرب الرسوم الجمركية


كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد وسّع حربه التجارية العالمية هذا الأسبوع، من خلال فرض رسوم جمركية كبيرة على الصادرات العالمية، إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك تعرفة بنسبة 145% على جميع المنتجات القادمة من الصين. وقد هزّ هذا القرار الأسواق في جميع أنحاء العالم، وأدى إلى انسحاب المستثمرين من سندات الخزانة الأميركية، ما تسبب في قفزة بالعائدات على المدى الطويل هي الأكبر منذ عام 2020.

غياب الأدلة القاطعة


أرجع المحللون هذا التحول إلى مجموعة من العوامل الأساسية والفنية، من بينها عمليات البيع من قبل صناديق التحوط والمخاوف من الركود التضخمي. غير أن فرضية تدخل الحكومة الصينية تبقى في نطاق التكهنات، نظراً لأن نشاط تداولها يُعد من الأسرار المحفوظة بعناية.

ومع ذلك، غالباً ما يشير الاستراتيجيون إلى أن حيازة الصين الكبيرة من سندات الخزانة تُعد نقطة ضغط محتملة على الولايات المتحدة؛ حتى وإن كانت عمليات البيع المكثفة قد تُكبّد الصين خسائر فادحة من خلال خفض قيمة احتياطاتها من العملات الأجنبية.

ومع ذلك، تكهّن فريق من "غولدمان ساكس" بأن بيع الأصول المقومة بالدولار قد يكون خياراً انتقامياً للصين، فيما قال إد يارديني، مؤسس "يارديني ريسرش"، إن مستثمري السندات قد يبدأون بالقلق من احتمال شروع بكين وغيرها من كبار حاملي السندات حول العالم في عمليات تصفية. كما ذكر الخبيران الاقتصاديان شيانغرونغ يو وشينيو جي، من "سيتي غروب"، أنهما تلقيا العديد من الاستفسارات من العملاء حول ما إذا كانت الصين تعتزم بيع حيازاتها.

الصين ثاني أكبر مالك أجنبي للديون الأميركية


تُعد الصين ثاني أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية بعد اليابان، وكانت تقلّص من حيازاتها منذ فترة، على الأقل وفقاً للبيانات الرسمية.

فقد انخفضت الحيازات تدريجياً إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2011 على الأقل، وفقاً لأرقام وزارة الخزانة الأميركية لشهر يناير. ومع ذلك، فإن الصورة تتعقد بسبب أن بعض الحيازات المسجلة باسم دول مثل بلجيكا يُعتقد أنها مرتبطة بحسابات حفظ تابعة للصين، وقد شهدت هذه ارتفاعاً.

أما بالنسبة لإجمالي حيازات الصين من الأصول الأميركية -من أسهم وسندات مضمونة من قبل حكومة الولايات المتحدة- فقد ظلت مستقرة نسبياً.

وعلى الرغم من أن السلطات الصينية ستصدر بيانات احتياطاتها من النقد الأجنبي لشهر أبريل في 7 مايو، سيتعين على المستثمرين الانتظار حتى 30 مايو لرؤية أي تغيير فعلي في الأوراق المالية ضمن الاحتياطيات. بينما يُتوقع الحصول على مؤشر أوضح من بيانات تدفقات المحافظ المالية الأميركية المقرر صدورها في 18 يونيو، ما يعني أنه لا أحد يستطيع الجزم حالياً ما إذا كانت الصين قد باعت جزءاً من حيازاتها من سندات الخزانة.

ولم يصدر أي رد فوري من بنك الشعب الصيني أو من إدارة الدولة للنقد الأجنبي على طلب للتعليق أُرسل (من بلومبرغ) عبر الفاكس.

الجدل الصيني


مع ذلك، يعتقد كثيرون أن الصين لم تقدم على البيع، مشيرين إلى التباين في حركة العوائد على مختلف آجال استحقاق سندات الخزانة الأميركية كدليل على ذلك.

ويشير المحل الاستراتيجي في "تي دي سيكيوريتيز"، براشانت نيونها، الذي يتابع سوق الخزانة الأميركية منذ ربع قرن، إلى أن الصين قد خفّضت من مشترياتها في السنوات الأخيرة، ومن المرجح أيضاً أن تكون قد قلّصت مدة استحقاق حيازاتها.

وقال: "لو كانت الصين تبيع فعلاً، لكان من المفترض أن ترتفع العوائد في الطرف القصير من المنحنى، لكنها لم تفعل، ولهذا فنحن نشك في أن الصين هي من يقف وراء عمليات البيع". ولفت إلى أن "عمليات البيع الحالية تتركّز أساساً في الطرف الطويل من المنحنى، ما يشير إلى إعادة تخصيص أوسع من قِبل المستثمرين".

وقد ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل خمس سنوات بمقدار 36 نقطة أساس هذا الأسبوع، وهو أعلى ارتفاع منذ مارس 2022. أما العوائد السندات لأجل ثلاثين عاماً فقد زادت بمقدار 48 نقطة أساس، في حين شهدت السندات طويلة الأجل تقلبات تفوق تلك التي شهدتها الآجال الأخرى.

تأثير بيع السندات على السوق الأميركية


قدر محللو "جي بي مورغان" ومن بينهم جاي باري، في مذكرة صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن كل انخفاض بمقدار 300 مليار دولار في الحيازات الرسمية الأجنبية من السندات الأميركية يدفع عوائد السندات لأجل خمس سنوات للارتفاع بنحو 33 نقطة أساس. وبما أن الحيازات الرسمية الأخيرة للصين تبلغ 700 مليار دولار، فإن هذا يعني أن جزءاً كبيراً جداً منها كان يجب أن يُباع إذا كانت بكين فعلاً وراء هذا التحرك.

فرضية تبرّء الصين
يشكّك كريستوفر وود، رئيس استراتيجية الأسهم العالمية في "جيفريز"، في فرضية أن الصين تبيع سندات الخزانة كإجراء انتقامي رغم الاستفزاز الجمركي. ويرجح أن ما حدث هو تفكك في استراتيجية موازنة شائعة بين سندات الخزانة النقدية والعقود الآجلة.

وقال: "الاحتمال الآخر الأكثر منطقية هو عمليات بيع قسرية نفذها مستثمرون يستخدمون روافع مالية عالية في صفقات الموازنة، حيث يسعى المستثمرون لتحقيق أرباح من فروق الأسعار". وأضاف أن "مثل هذه الاستراتيجيات التحكيمية باتت تمثل حصة متزايدة من الملكية الأجنبية لسندات الخزانة".

سندات الخزانة لم تعد الملاذ الآمن
مع تصعيد ترمب لهجومه الشامل على التجارة العالمية، بدأت مكانة سندات الخزانة كملاذ آمن عالمي تواجه تساؤلات متزايدة. فهذه السندات كانت قد شهدت إقبالاً خلال الأزمة المالية العالمية، وبعد هجمات 11 سبتمبر، وحتى عندما تم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، لكن العوائد الآن في ارتفاع رغم تراجع شهية الإقبال على الأصول الخطرة.

وكتب غوستاف هيلغيسون، استراتيجي الاقتصاد الكلي في "SEB"، في مذكرة: "هناك عدة أسباب محتملة للارتفاع.. ومن بينها التكهنات بأن الصين تقوم ببيع السندات الحكومية لإظهار قوتها عندما ترفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية".

الأكثر قراءة