سيادة أوروبا التكنولوجية والقدرة التنافسية
بعد إقرار عدد كبير من مشاريع القوانين التكنولوجية البارزة في السنوات الأخيرة، يسعى الاتحاد الأوروبي الآن إلى تعزيز الإبداع وتحسين القدرة التنافسية. استنادا إلى تقرير مؤثر صادر في عام 2024 عن رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، نشرت المفوضية الأوروبية أخيرا بوصلة التنافسية ــ خريطة الطريق لتنفيذ توصيات دراجي.
الواقع أن قلق أوروبا المتنامي بشأن القدرة التنافسية يتغذى على عجزها عن تحدي عمالقة التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها في المكان الأكثر أهمية: السوق. وكما يشير تقرير دراجي، تعكس فجوة الإنتاجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى حد كبير ضعف قطاع التكنولوجيا في أوروبا نسبيا. تشير تصريحات صادرة أخيرا عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومفوضة التكنولوجيا هينا فيركونن إلى أن صناع السياسات أخذوا رسالة دراجي على محمل الجد، وهذا يجعل القدرة التنافسية محور التركيز الرئيسي لسياسة الاتحاد الأوروبي التكنولوجية.
لكن هذا التركيز الأحادي غير كاف وربما يكون هَـدّاما في وقت يتسم بالاضطرابات التكنولوجية والجيوسياسية. وفي حين قد يتسبب السعي وراء تعظيم القدرة التنافسية في إضعاف نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى على الاقتصاد والمؤسسات الديمقراطية في أوروبا، فإنه قد يعمل بذات القدر من السهولة على ترسيخها.
نتيجة لهذا، فإن التدابير التي اتخذتها المفوضية الأوروبية لإلغاء الضوابط التنظيمية ــ بما في ذلك قرارها الأخير بإرجاء مسودة قواعد الذكاء الاصطناعي والخصوصية، و"تبسيط" التشريعات التكنولوجية المرتقب بما في ذلك النظام الأوروبي العام لحماية البيانات ــ ستعود في الأرجح بالفائدة على عمالقة التكنولوجيا الراسخة بما يتجاوز كثيرا قدرتها على دعم الشركات البادئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
إن مهمة أوروبا الأكثر إلحاحا تتمثل في الدفاع عن حقوق مواطنيها، وسيادتها، وقيمها الأساسية ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة المتزايدة العدوانية وحلفائها في واشنطن. إن اعتماد القارة العميق على بنية أساسية رقمية تسيطر عليها الولايات المتحدة ــ من أشباه الموصلات والحوسبة السحابية إلى الكابلات البحرية ــ لا يقوض قدرتها التنافسية من خلال إقصاء البدائل المحلية فحسب بل يعمل أيضا على تمكين أصحاب تلك البنية الأساسية من استغلالها لتحقيق الربح.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن عدم استقلالية أوروبا في مجال التكنولوجيا يمنح حفنة من الشركات وحكومة الولايات المتحدة قدرا ضخما من السلطة على تطورها التكنولوجي وعملية صنع القرار الديمقراطي. وقد تُـسـتَـخـدَم هذه السلطة لخنق نمو قطاع التكنولوجيا في أوروبا عن طريق تقييد القدرة على الوصول إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، أو عن طريق جعل الوصول إلى الحوسبة السحابية مشروطا بتنظيم خفيف لشركات التكنولوجيا الأميركية.
إن حماية أوروبا من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز قدرتها التنافسية. على سبيل المثال، من الممكن أن يُـفـضي تطبيق قانون المنافسة وقانون الأسواق الرقمية بقوة إلى الحد من نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى في حين يصنع الحيز للشركات الأوروبية البادئة والمنافسين الأوروبيين لتحقيق الازدهار. بالمثل، سيؤدي تطبيق قانون الخدمات الرقمية وقانون الذكاء الاصطناعي إلى حماية المواطنين من المحتوى الضار وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخطرة، بما يمكّن أوروبا من تقديم بديل حقيقي لنماذج الأعمال التي تعتمد على المراقبة في وادي السيليكون.
يتعين على صناع السياسات الأوروبية أن يوازنوا بين القدرة التنافسية وأهداف أخرى أكثر أهمية غالبا. لا قيمة للاقتصاد "التنافسي" إذا كان على حساب الأمن، والبيئة الرقمية العادلة والآمنة، والحريات المدنية، والقيم الديمقراطية. ما يدعو إلى التفاؤل أن أوروبا ليس عليها أن تختار. فمن خلال التصدي لتبعياتها التكنولوجية، وحماية الحكم الديمقراطي، والتمسك بالحقوق الأساسية، يصبح بوسعها أن تعزز ذلك النوع من القدرة التنافسية الذي تحتاج إليه حقا.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.