الأسواق ملبّدة بالكثير من الغيوم

تعيش الأسواق هذه الأيام بعضا من الهدوء، ما يظهر حالة الترقب التي ينتظرها المستثمرون، وما ستؤول إليه مفاوضات الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة والصين)، وحتى لو تم إنهاء المفاوضات أو تخفيضها فإن عموم الأسواق حتى الآن قد تأثرت بشكل كبير، على رأسها السوق الأمريكية التي شهدت تبخر أكثر من 6 تريليونات دولار خلال هبوطه الأخير، ما يعني أن السوق محت نصف المكاسب التي حققها منذ 2023، حيث حققت السوق منذ ذلك العام مكاسب تقدر بنحو 12 تريليوناً.

كما حذرت شركات استثمارية عدة وبيوت خبرة وكذلك بنوك عالمية من تصاعد احتمالات دخول اقتصاد الولايات المتحدة بحالة الركود، بل ذهب "لاري فينك" الرئيس التنفيذي لبلاك روك وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم إلى (أن الولايات المتحدة قريبة جدا من الركود بل ربما تكون كذلك الآن)، وسبق ذلك تحذيرات من تراجع النمو الاقتصادي للولايات المتحدة هذا العام والذي يليه، بدءا من تخفيض الفيدرالي الأمريكي نفسه لنمو الاقتصاد للعامين الجاري والمقبل، فضلا عن عدد من الجهات الأخرى التي تشير إلى نفس الاتجاه من ضعف النمو.

هذه التحذيرات لم تقتصر على اقتصاد الولايات المتحدة، فقد حذرت مجموعة أخرى كذلك من تراجع نمو الاقتصاد الصيني، من بينها بنك "يو بي إس" حيث خفّض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين خلال عام 2025 إلى 3.4%، انخفاضًا من التقدير السابق البالغ 4%، وتأتي هذه التوقعات لتراجع نمو أكبر اقتصادين في العالم في سياق يشير إلى حد كبير لحالة من الركود الوشيك الذي قد يكون الوصول لمفاوضات حول تخفيف الرسوم الجمركية بينهما أبرز الأسباب لتفاديه للخروج من الأزمة الحالية، لكنها لو تمت لن تكون لوحدها كافية للابتعاد عن شبح الركود حيث هناك مسببات أخرى ينبغي وضعها بالحسبان.

من جهة أخرى يعد الذهب مستفيدا من خضم الأحداث الحالية، فليس بمستغرب أن يعود الذهب لتحقيق قمم جديدة حتى لو هدأت حرب التعريفات، وذلك لأن قرار التعريفات المفاجئ بحد ذاته هز ثقة الأسواق بالإدارة الأمريكية وبالتالي سيستمر الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن وذلك إن لم يتزايد بصورة أكبر مع مرور الوقت.

كون البيت الأبيض يصدر مجموعة قرارات بين عشية وضحاها تشمل أكثر من 180 دولة ويفاجئ الأسواق بها، ثم يصعدها على بلدان ويؤجلها على بلدان أخرى، فهذا من شأنه زعزعة الأسواق وتراجع الثقة بالدولار حيث انخفض لأدنى مستوى له منذ أكثر من 3 سنوات، وبالتالي فإنه لا غرابة مع تراجع الدولار وضعفه أن يلفت ذلك أنظار المستثمرين للذهب الذي يؤسس حاليا مناطق دعم عند مستويات 3 آلاف دولار، كما أن الذهب من الناحية الفنية يملك مستهدفات عند 3300 تليها 3500 دولار، والتي ربما تسهم الأحداث الحالية بتسارع تحقيقها.

حاليا تشهد الأسواق بعض الاستقرار من خلال تقلص التذبذبات الحادة، لكن ذلك لا يعني انتهاء الموجة الهابطة فلا تزال عموم الأسواق في مسار هابط، والعودة لكسر قيعانها التي حققتها الأسبوعين الماضيين ليس بمستبعد طالما لم تخترق متوسطاتها الفنية الخمسين والمئتين يوما، كذلك من المهم أن نشهد ارتفاعات الفوليوم أثناء الارتدادات، وهو ما لم يحدث خلال الجلسات التي شهدت إغلاقا بالمنطقة الخضراء، لذلك الحذر لا يزال مطلوبا فالأجواء ضبابية تميل للسلبية، وسماء الأسواق لا تزال ملبدة بالغيوم التي قد تخلف حالة ممطرة أو يكون هدوء ما قبل العاصفة!           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي