إعصار الذهب .. لماذا المعدن الأصفر ملاذ آمن وقت الحروب التجارية؟

إعصار الذهب .. لماذا المعدن الأصفر ملاذ آمن وقت الحروب التجارية؟

حملت الساعات الأولى من صباح يوم التاسع من أبريل الجاري أخبارا سيئة لجيف بيزوس، فأثناء توجه عملاق التجارة الإلكترونية إلى عمله فوجئ بخسارته نحو 23 مليار دولار من ثروته، رغم ذلك كان حظه أفضل من مارك زوكربيرغ الذي فقد في الوقت نفسه أكثر من 27 مليار دولار بينما تصدر إيلون ماسك القائمة بخسارة بلغت 30 مليار دولار، وذلك بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي نتج قراره عن خسارة مليارديرات العالم بما يقدر بـ270 مليار دولار في طليعة أيام القرار قبل تعليق معظمها بحسب فوربس.

في اليوم نفسه حقق التجار والمستثمرون في الذهب مكاسب ضخمة بعد أن تجاوز سعر المعدن الأصفر 3255 دولارا للأونصة الواحدة بنسبة ارتفاع 2.5% ووسط توقعات بزيادة 6 % خلال الأسابيع القليلة المقبلة ليصل إلى 4 آلاف دولار للأونصة بحسب بيان مجلس الذهب العالمي الذي أوضح أن الاضطرابات التجارية وبيع الأسهم والسندات الأمريكية بطريقة عشوائية نتيجة الرسوم الجمركية أدى إلى مخاوف من ركود اقتصادي عالمي ما دفع المواطنين إلى التحوط والبحث عن ملاذ آمن على المدى الطويل.

تلك المكاسب أعادت العالم مرة أخرى إلى "قاعدة الذهب" التي أسستها بريطانيا في 1821 ومن خلالها تم اعتماد المعدن الأصفر كعملة دولية للتداول وأساس للنظام النقدي آنذاك، إذ باتت الدول تطبع العملات الورقية بناء على ما تملكه من احتياطات المعدن الثمين واستمر الوضع حتى الحرب العالمية الثانية حين برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى ومعها الدولار الذي صار عملة دولية في كل مكان، بينما في 1971 تم إلغاء قاعدة الذهب والاعتماد على الورقة الخضراء فقط.

رغم ذلك ظل الذهب محافظ على مكانته خاصة كونه يملك مواصفات نادرة مثل عدم تضرره من عامل الزمن والتآكل كما أنه يتمتع بقيمة ثابتة في كل دول العالم بصرف النظر عن العملات المحلية، وزاد من قيمته أنه يتميز بسهولة الحمل والانتقال به دون عمليات مصرفية معقدة، ناهيك عن الاستخدامات الأخرى التي لا تقتصر فقط على الحلي والزينة فالمعدن الأصفر عنصر أساسي في عديد من الصناعات مثل التكنولوجيا والطب والفضاء.

تلك الصفات هي ما دفعت البشر من كل دول العالم إلى اقتناء الذهب والاحتفاظ به عبر العصور كأصل يحافظ على قيمة أموالهم من التضخم واستثمار طويل الأجل، وبحسب مؤسسة "جولدمان ساكس" الأمريكية فإن الخيارات الأخرى مثل الدولار أو الأصول العقارية وأموال المصارف تخضع لعدة متغيرات مثل الحروب والاضطرابات التجارية التي قد ينتج عنها قطع علاقات أو توقف التعاون الاقتصادي بين المتصارعين وحينها يفقد المستثمرون الكثير من قيمة ما يقتنونه، لكن ذلك لا ينطبق على الذهب ولذلك فإن مصطلح "الملاذ الآمن" هو وصف دقيق أثبت جدارته طوال العقود الماضية.

البحث عن مستقبل آمن لم يقتصر على المواطنين، فالدول نفسها لجأت باستمرار إلى تعزيز اقتصادها من خلال شراء الذهب وتخزينه وذلك لأسباب كثيرة أوردها مجلس الذهب العالمي، فهناك دول تحتفظ بالمعدن الأصفر للتخلص من هيمنة الدولار واليورو وخوفًا من أي عقوبات مستقبلية، وهذا ينطبق على الصين وروسيا خاصة أن الأخيرة اشترت كميات كبيرة خلال عام 2020 ضمن استعدادها للحرب مع أوكرانيا وما قد ينتج عنها من عقوبات اقتصادية، ووفقًا لصحيفة تليغراف البريطانية استطاعت موسكو رفع احتياطي الذهب لديها بمعدل 4 أضعاف.

كما تلجأ الدول ذات الاقتصادات الناشئة إلى شراء الذهب بكميات كبيرة من أجل تنويع استثماراتها وحماية عملتها المحلية من اضطراب الأسواق العالمية، إذ أنه في وقت الأزمات تقوم تلك الدول بتحويل المعدن الأصفر للعملة التي تريدها سواء دولارا أو يورو لتأمين احتياجتها.

في السياق نفسه تحتل الولايات المتحدة الأمريكية قائمة أكبر الدول من حيث احتياطات الذهب برصيد 8133.46 طن بما يمثل 69% من الاحتياطي العالمي، يليها ألمانيا بنصيب 3352 طنا، ثم إيطاليا التي تستحوذ على 2451 بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي لعام 2024.

أما عربيًا تحتل السعودية قائمة أكبر الدول باحتياطي بلغ 323 طنا بنهاية 2024، وهي صدارة نتجت عن إستراتيجية بدأت عام 2016 بالتوسع في التنقيب عن مناجم الذهب، إذ منحت وزارة الصناعة والثروة المعدنية آنذاك 360 رخصة للتنقيب عبر شركات القطاع الخاص المحلية وهو ما أدى إلى اكتشاف 4 مناجم جديدة، وفي عام 2017 اكتشفت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية احتياطي ضخم من النحاس والذهب بمنطقة الدرع العربي بالرياض، وجاء الاكتشاف الأكبر في 2023 حين استطاعت شركة معادن السعودية العثور على مخزون ضخم تم تقديره بـ20 مليون أونصة من الذهب.

ومع اضطراب الأسواق التجارية خلال العامين الماضيين نتيجة الحروب والصراعات المسلحة، كثفت الرياض من جهودها في مجال اكتشاف الذهب وزيادة الاحتياطي الخاص بها، فخلال النسخة الثالثة من مؤتمر التعدين الدولي 2024 أعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف عن إطلاق برنامج تحفيزي للتنقيب عن المعادن بميزانية بلغت 182 مليون دولار ما أسهم في زيادة الاكتشافات خلال الأشهر الأخيرة في مناطق مثل جبل شيبان ووادي الجو.

ورغم أن البعض تساءل عن سر الاهتمام السعودي بالذهب خلال السنوات الماضية، لكن الوقائع أثبتت قدرة السعودية على استشراف المستقبل وحماية مواطنيها من أي اضطرابات تجارية مثلما يحدث الآن، ففي الوقت الذي تعاني فيه دول كثيرة التغيرات الاقتصادية العالمية وما سينتج عنها، استطاع السعوديون تجنب أي تأثير سلبي، إذ على النقيض استفادت كثيرًا بارتفاع ثروات مواطنيها ممن يملكون الذهب وكذلك ارتفعت قيمة احتياطي الدولة نفسها بفضل استثمار أصفر لا يصدأ البتة.

الأكثر قراءة