"الصندوق السيادي الأمريكي" .. على خطى "الاستثمارات العامة السعودي"
أصدرت جامعة ستانفورد ورقة بحثية تحليلية لما يمكن أن يكون عليه الصندوق السيادي الأمريكي الجديد الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
إلى وقت قريب كان يعتقد بعضهم أن مفهوم الصناديق السيادية والمعنى الاقتصادي له ينطبق فقط على الدول التي تعتمد صادراتها إلى درجة كبيرة على الثروة الطبيعية مثل البترول وغيره، إلا أن هذه النظرة المحدودة تغيرت بشكل كبير في العقود الماضية مع ظهور أنواع الصناديق السيادية المختلفة في دول صناعية مثل فرنسا وإيطاليا وغيرها وكذلك في عدد من الولايات الأمريكية. وتكاد تكون القارة الهندية الوحيدة في العالم التي لم تبرز في هذا المجال الاقتصادي المهم. كما أن هناك مفهوما آخر ضيقا لدى عدد من المحللين أن إنشاء صندوق سيادي يتطلب عدم وجود نسبة ديون حكومية مرتفعة وأن إصلاح السياسة المالية أهم من إنشاء صندوق سيادي.
لا شك أن هذه مفاهيم خاطئة وكأنها تخلط الحابل بالنابل وتمثل في أدنى مستوياتها نظرة اقتصادية قديمة لا تتوافق مع الواقع الحالي في أهمية تطوير الاقتصاد والمنافسة العالمية الذي يتطلب استقلال كثير من القرارات الاستثمارية طويلة الأمد عن السياسة المالية أو الإنفاق الحكومي بشكل عام، لا سيما فيما يتعلق بالاستثمارات الاقتصادية ذات البعد الأمني الوطني وفي ظل تغيرات تكنولوجية هائلة.
وكما هو معروف فإن الصناديق السيادية الاعتيادية، ما يسمى بصناديق الثروة السيادية، Conventional Sovereign Wealth Funds مثل الصندوق النرويجي وصندوق أبوظبي والكويت وغيرهم يستثمرون جميع الأصول في الأدوات المالية العالمية ذات السيولة العالية Portfolio Investment. وبالمقابل هناك الصناديق السيادية التنموية أو الإستراتيجية التي تركز على الاستثمار المباشر في السوق المحلية والإقليمية لدعم الصناعة والتكنولوجيا الجديدة وجذب الاستثمارات الخارجية، مثال على ذلك الصندوق السنغافوري "تماسك" والماليزي "خزانة" والإماراتي "مبادلة" والصندوق الإستراتيجي الفرنسي والإيطالي والإيرلندي. وعادة ما تكون تلك الصناديق صغيرة نسبياً مقارنة بصناديق الثروة السيادية. ويمثل الصندوق السيادي السعودي- صندوق الاستثمارات العامة- نموذجا جديدا بين الصناديق السيادية العالمية New Institutional Framework يركز على تنويع الاقتصاد وتعميق الميزة التنافسية للسعودية في شتى القطاعات.
يكتسب الصندوق السيادي السعودي ميزة خاصة وتتنوع الآراء حول التجربة الكبيرة لصندوق الاستثمارات العامة خلال السنين الماضية لكونه يعد أكبر صندوق عالمي على الإطلاق في مجال تنويع وتطوير الاقتصاد. الرأي المحلي يغلب عليه التركيز على أهمية العمل على مشاركة أكبر للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي في مشاريع الصندوق Crowding in. والنظرة العالمية من قبل مختصين دوليين تركز على أن نموذج الصندوق السيادي السعودي هو الأكثر ديناميكية وجاذبية بين الصناديق السيادية العالمية ويفتح آفاقاً جديدة للتطوير والابتكار وبإمكانه جذب استثمارات خارجية قد تصل إلى تريليونات الدولارات. ومن هنا بدأ اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة نحو إنشاء أول صندوق سيادي أمريكي على المستوى الوطني- الذي بدا من تصريحات الرئيس الأمريكي أنه سيكون على غرار الصندوق السيادي السعودي وكأن نموذج صندوق الاستثمارات العامة أصبح مصدر إلهام للصندوق الأمريكي الجديد.
لا شك أن الصندوق السيادي الأمريكي سوف يستفيد من التجارب الدولية في هذا المجال بشكل عام، ويمكن للولايات المتحدة أن تبني صندوقاً سياديا ضخما في وقت قصير نظراً لحجم الأصول المملوكة للحكومة الأمريكية والقدرة على الحصول على إيرادات حكومية متنوعة، لا سيما أن العملة المحلية الدولار الأمريكي هي العملة العالمية للصناديق السيادية، فلا يستدعي الأمر الحصول على فوائض تصديرية في ميزان المدفوعات بالعملة الأجنبية من أجل تنويع ودعم استثمارات الصندوق الأمريكي الجديد كما هي الحال في معظم الصناديق السيادية في العالم. وفي هذا الإطار يبدو أن التعرفة الجمركية الأمريكية الجديدة ستكون أحد مصادر دخل الصندوق السيادي الجديد.
ومن الواضح أن استثمارات الصندوق الجديد ستركز على تطوير البنية التحتية والتنافسية الأمريكية في شتى جوانب التكنولوجيا الجديدة، وأن ذلك سيصنع فرصا كبيرة لعدد من الصناديق السيادية العالمية ومنها صندوق الاستثمارات العامة على وجه الخصوص للدخول في مشاركات كبرى Co investment تعزز من قدرة الصندوق السيادي السعودي على تحقيق برامج طموحة في رؤية السعودية 2030. كما أن نجاح الصندوق السيادي الأمريكي الجديد في إرساء قوانين وحوكمة قوية في الرؤية والتطبيق يمكن أن يؤسس لضوابط ومعايير جديدة في بيئة الاستثمارات السيادية تساعد الكثير من الصناديق السيادية حول العالم على تحقيق أهدافها التنموية والإستراتيجية.