إيلون ماسك محور لأسطورة العبقرية الشاملة الخطيرة
رئيس "تسلا" التنفيذي بارع في صنع السيارات والصواريخ لكن هذا لا يعني أنه بارع في كل ما سوى ذلك
يميل الناس لافتراض صفات إضافية متميزة للأذكياء أو الوسيمين أو أصحاب النجاحات الإدارية
تعامل إيلون ماسك مع مهمة خفض عديد موظفي الحكومة لا يصل لنجاحه كرئيس تنفيذي
قد تكون مغامرات إيلون ماسك الفاشلة في وزارة الكفاءة الحكومية خير مثال على خلل كبير في قناعاتنا عن القادة، وهو أننا نميل للاعتقاد بأن المهارات والإنجازات تنتقل مع حاملها من مجال إلى آخر، وأن من يتفوق فيها سيكون على القدر نفسه في ما سواها.
أُسمي هذه القوة الخارقة الاستثنائية المتخيّلة اسم "العبقرية الشاملة". في الواقع، لا يوجد نجاح خارج عن السياق، ورغم أنه لا توجد متعة في مشاهدة ماسك وهو يُخرب الحكومة الأمريكية، فإن ذلك قد يساعد على توضيح الصلة الجوهرية بين الأمرين.
يبين ماسك ومعه إدارة الكفاءة الحكومية كيف يمكننا تمكين قائد عبر تخيّل وجود العبقرية الشاملة. لقد حقق ماسك إنجازاتٍ رائعة بلا شك، وبرغم كل الصعوبات التي تواجهها شركة ”تسلا“ حالياً، إلا أنها أحدثت نقلةً نوعيةً في قطاع السيارات.
ويكاد يستحيل أن نبالغ في وصف تأثير "سبيس إكس" الثوري في صناعة الفضاء. لكن الحكاية تغيرت بمجرد انضمامه إلى الحكومة. في مثالٍ بارزٍ على ذلك، طردت إدارة الكفاءة الحكومية مئات الموظفين من الإدارة الوطنية للأمن النووي، وهي الوكالة المسؤولة عن إنتاج وتأمين الأسلحة النووية وإدارة مواقع النفايات النووية.
لكن إدارة ترمب تراجعت عن كثير من التسريحات بعد أقل من 48 ساعة من إقرارها عندما اتضحت مهام هؤلاء الموظفين وأهمية أدوارهم. صرح داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة آنذاك، قائلاً: "يأتي موظفو إدارة الكفاءة الحكومية دون أي إدراك لمسؤوليات هذه الإدارات".
أخطاء وعثرات
كما أُلغيت تسريحات في برامج الرعاية الصحية للمستجيبين والناجين من أحداث 11 سبتمبر، وكذلك تسريحات في مكاتب الضمان الاجتماعي. حتى أن موقع إدارة الكفاءة اضطر إلى حذف أكبر 5 ادعاءات بخفض الإنفاق، بعد أن أشارت وسائل الإعلام إلى أنها مغلوطة.
مهما كان رأيك بهذه الإدارة، يجب أن نتفق جميعاً على أن الإضرار غير المقصود بالوكالة المسؤولة عن الأسلحة النووية الأمريكية فعل يخلو من الكفاءة. ماسك ليس وحيداً في ذلك، فقد أصبح معتاداً أن نشاهد إبراز أشخاص ناجحين في القطاع الخاص ليكرروا الدعاية الروسية بشأن أوكرانيا، أو لينشروا نظريات ضد تلقي اللقاحات بعدما ثبت أنها مغلوطة.
لا يقتصر الأمر على الأعمال التجارية فحسب، فأسطورة العبقرية متأصلة في ثقافتنا. من عالم ”مارفل كوميكس“، الذي أنتجته شركة "والت ديزني"، نجد الرجل الأخضر بروس بانر يقول إنه يحمل 7 شهادات دكتوراه في إشارة غير عقلانية لعبقريته متعددة الجوانب. (بمعنى أنني بعدما حصلت على دكتوراه واحدة، فإن احتمال حصولي على ثانية قد يجعل مني وحشاً غاضباً أخضر عملاقاً). كم مرة شاهدتم عبر شاشة التلفزيون شخصية "عالم" تقوم بكل شيء، من تسلسل الحمض النووي إلى اختراق كمبيوتر؟ ولا تنسوا المشاهير الذين نثق بهم ليبيعونا كل شيء، من الوجبات الخفيفة إلى السيارات والأدوية التي تتطلب وصفة طبية.
نجاح لا يتعدى مجاله
لكن خارج المجالات التي حققوا فيها النجاح، لماذا نستمع لهؤلاء؟ ولماذا يُفترض أن يشغلوا مناصب قيادية في مجالات ليس لهم فيها سوى قليل معرفة أو خبرة؟
يكمن التفسير في تحيز معرفي يُعرف باسم "تأثير الهالة"، وهي ظاهرة أن وجود صفة إيجابية رئيسية واحدة يجعلنا نحرّف إدراكنا للصفات الأخرى لشخص ما. ويرجع ذلك إلى أننا غالباً ما نربط بين خصائص غير ذات صلة، مثل الذكاء والجاذبية والمهارات الاجتماعية والولاء. فإذا كان شخص ما، على سبيل المثال، جذاباً جداً، فهناك ميل لتصنيفه على أنه أذكى، حتى مع انعدام الدليل على ذلك. يجعلنا تأثير الهالة ننسب النجاح إلى الشخص وحده، بدلاً أن نجمع بين ذلك الشخص والسياق الذي يكون فيه. لكن يغلب أن تكون أهمية السياق بالغةً على الدوام.
لهذا السبب عادة ما يعاني القادة الذين يغيرون قطاعاتهم. فقد برع جون سكولي في مبيعات المشروبات الغازية في شركة "بيبسيكو" لكنه كاد أن يُخرج شركة "أبل" عن مسارها. أما رون جونسون فقد أحدث ثورة في قطاع التجزئة لدى "أبل"، ثم قوّض شركة "جيه سي بيني". في كلتا الحالتين، خسرت الشركات التي تولاها الرؤساء التنفيذيون لاحقاً أكثر من نصف قيمها السوقية تحت قيادتهم.
إثبات أهمية تشابه السياق
درس أستاذا كلية هارفارد للأعمال بوريس غرويسبيرغ ونيتين نوهريا تعيينات أشخاص أتوا من شركة "جنرال إلكتريك" (التي كانت آنذاك قمة في الإدارة في الولايات المتحدة) ليتولوا مناصب رؤساء تنفيذيين لدى شركات أخرى. ووجدا أنهم لم ينجحوا إلا عندما كانت التحديات التي تواجه شركاتهم الجديدة مشابهة لما واجهوه لدى "جنرال إلكتريك".
يُعد السياق بالغ الأهمية لدرجة أنه يؤثر بشدة حتى عند انتقال الأفراد داخل قطاع معين. وقد أظهر بحث أعده غرويسبيرغ أنه عندما يغير معظم محللي أبحاث الأسهم المتميزين البنوك التي يعملون لديها، ينخفض أداؤهم لأن المهارات التي مكنتهم من التفوق كانت في الواقع خاصة بالبنك.
ويُظهر بحثي الخاص أن القادة الآتين من خارج الشركة (على عكس من تتم ترقيتهم من الداخل) يميلون إلى تحقيق نتائج عالية التباين: ففي بعض الأحيان ينجحون ببراعة، ولكن في أغلب الأحيان، يفشلون فشلاً ذريعاً. نظراً لأهمية السياق، فإن النجاح في مجال واحد لا يوفر أي معلومات تُذكر عن قدرة الشخص على النجاح في مجال آخر.
إذ يمكن تغيير المجالات بنجاح. (على أي حال، لعب ديون ساندرز في كل من السوبر بول والدوري العالمي). لكن الاحتمالات ليست جيدة. لذا، توقفوا عن النظر إلى الهالات، فإن كان المرء مستثمراً أو رئيساً تنفيذياً بارعاً لا يعني بالضرورة أنه خبير في السياسة الخارجية أو الطب الحيوي أو الضرائب. النجاح مهم، ولكن مهم أيضاً إدراك أن حدود قدرات أي شخص عادةً ما تكون أضيق بكثير مما نظن.
خاص بــ "بلومبرغ"