الأحد, 11 مايو 2025 | 13 ذو القَعْدةِ 1446


دول آسيا قد ترحب باتفاقات تجارية تقصي الصين

هدنة الرسوم الجمركية فرصة لبناء تحالف ضد سلاسل التوريد الصينية
الرفض الآسيوي لهيمنة الصين على سلاسل التوريد يفتح الباب أمام التعاون على حسابها
الدول المستفيدة من الروابط الاقتصادية مع الصين تبحث عن بدائل لعلاقة أكثر توازناً
المخاوف من إغراق الأسواق الآسيوية بالبضائع الصينية تزداد مع تراجع الطلب الغربي


في أي صراع، من الضروري حشد الحلفاء. لسوء حظ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فإن هذا ينطبق أيضاً على حربه التجارية. يدرك بعض المستشارين هذه الحقيقة إذ يعتزم وزير الخزانة، سكوت بيسنت، استغلال "فترة التهدئة لمدة 90 يوماً" التي ظفر بها من الرئيس لجمع الأصدقاء القدامى وتطويق الصين. لكن في ظل تراجع الثقة بواشنطن في آسيا هذه الأيام، قد تكون هذه مهمة صعبة على بيسنت وزملائه. رغم ذلك، لا ينبغي الاستهانة بهذا المسعى. سترحب دول عديدة باستمرار الهيكل الحالي لرسوم ترمب الجمركية، والتي تستهدف الصين بشكل غير متناسب، إلى أجل غير مسمى. تدرك بكين هذا الواقع جيداً، ولهذا السبب بدأت حملة خاصة بها لحشد الحلفاء. فقد زار الرئيس الصيني شي جين بينغ كلاً من فيتنام وكمبوديا وماليزيا الأسبوع الماضي، وحرص مضيفوه على استقباله بحفاوة بالغة.

هيمنة الصين

رغم هذا الحفاوة فإن الاستياء من هيمنة الصين على تجارة السلع وسلاسل التوريد الصناعية لا يقل حدة في أنحاء كثيرة من آسيا عنه في الولايات المتحدة الأمريكية، بل ربما يكون أشد، نظراً لأن فقدان الوظائف الناتج عن سياسة الإغراق الصينية يمثل مشكلة مستمرة وجسيمة. ويُحتمل أن تكون إندونيسيا قد فقدت ما يصل إلى 80 ألف وظيفة في قطاع النسيج وحده خلال العام الماضي، مع توقع مزيد من الخسائر مستقبلاً.
التكلفة الحقيقية لممارسات الصين التجارية على الدول النامية أكبر مما تبدو، وإن كانت أقل وضوحاً. بينما يمكن إحصاء الوظائف التي تُفقد نتيجة للمنافسة غير العادلة، فإن من شبه المستحيل إحصاء وظائف لا يتم توفيرها أساساً بسبب هيمنة الصين.
بعد سنوات من المحاولات المتكررة لتحرير سلاسل القيمة من قبضة بكين المحكمة، يشعر صناع السياسات في آسيا الناشئة بالقلق والغضب. يخشى المسؤولون أن الأدوات التقليدية للتنمية -مثل انخفاض الأجور والحوافز الصناعية- لم تعد كافية في مواجهة قوة تجارية عظمى مصممة على ضخ مواردها لحماية نموذجها الاقتصادي القائم على الاستثمار.
صحيح أن بعض الاقتصادات، مثل فيتنام، حققت ازدهاراً من خلال تعزيز التكامل مع الصين. لكن قادتها يدركون أن لهذا التكامل ثمناً. ولا أحد ينظر إلى هذه العلاقة باعتبارها علاقة ودية أو متكافئة، كما هو الحال المحتمل مع الشركات والمستثمرين والأسواق الأميركية.

الرسوم الجمركية

من الممكن تماماً بناء تحالف من هذه الدول يهدف إلى كسر النموذج التجاري الذي يتمحور حول الصين. نعم، من المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية المتفاوتة –التي تفرض أعباء أكبر على الصين– دوراً محورياً في هذا الاتجاه. لكن ذلك سيتطلب أيضاً توفير بعض الأمور الأخرى. من الدروس المستفادة المهمة خلال السنوات القليلة الماضية، أن المواقف تجاه الانفصال عن الصين في آسيا تختلف بشكل كبير.
بعض الدول، وعلى رأسها الهند، تبدي حماسة كبيرة لعزل بكين إلى أقصى درجة ممكنة، ذهبت إلى مدى أبعد من عديد من دول الغرب في فرض قيود على الاستثمارات الصينية وقطع روابطها التجارية مع الصين. في حين أن دولاً مثل إندونيسيا قد تكون راغبة في الانضمام إلى أي جهد يستهدف إعادة تشكيل سلاسل التوريد بما يمنحها فرصة للانطلاق في مسار التصنيع، إلا أنها ستحتاج إلى حوافز تتفوق على ما يمكن أن تستخدمه بكين من وعود أو تهديدات.
توجد دول أخرى، مثل كمبوديا، التي أصبحت مندمجة بشدة في الاقتصاد الصيني، لدرجة تجعلها غير مؤهلة لتكون شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة الأمريكية. الجميع في آسيا كان يرغب أساساً في تقليص نفوذ الصين في قطاع التصنيع. الآن، ومع إغلاق الأسواق الغربية أبوابها في وجه المنتجات الصينية، يشعر المنتجون وصناع القرار في آسيا بالخوف من أن يؤدي فائض الإنتاج الصيني إلى إغراق أسواقهم المحلية بواردات رخيصة .

ماذا بعد التحالف ضد الصين؟

مع ذلك، فإن الحوافز لدى هذه الدول ليست متطابقة تماماً؛ فهي تتنافس في ما بينها لتحل محل المنتجين الصينيين في قطاعات معينة، على سبيل المثال. كما أن بعضها قد يسعى، في المقابل، إلى أن يكون المستفيد من "التحايل" على أي اتفاق نهائي، من خلال إعادة تصدير البضائع الصينية، أو عبر القيام بتجميع بسيط للبضائع التي صُنعت في مصانع البر الرئيسي الصيني. ثمة حاجة إلى عنصر إضافي ليشكل رابطاً يضم هذه المصالح المتباينة في تحالف واحد. إذا كانت المساعدات والتجارة غير مطروحتين على الطاولة، من غير الواضح ما الذي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقدمه كعرض مغر.
يعتقد دونالد ترمب أن مجرد الوصول إلى المستهلك الأمريكي يشكل حافزاً كافياً، لكن بالنسبة لدول تتنافس في ما بينها ومع الصين في آن واحد، قد تبدو المكاسب المحتملة من تلك التجارة غير مؤكدة بما فيه الكفاية. فلو طُلب منها استبعاد الصين من سلاسل التوريد، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة تكاليفها، وربما إلى الدرجة التي تمنعها من دخول السوق الأمريكية أساساً. يحتاج إقامة تحالف تجاري قائم على أسس أكثر عدالة إلى إستراتيجيات دقيقة ومخصصة لكل دولة على حدة، بما يتناسب مع مصالحها وظروفها. حتى إذا تمكن سكوت بيسنت من التوصل إلى هذا النوع من الحلول المصممة خصيصاً، فسيظل بحاجة إلى تعاون الرئيس الأمريكي. إذ لا يمكن لأي شراكة أن تنجح من دون أن يكون ترمب مستعداً للدخول في مفاوضات تفصيلية، وأن يُظهر احتراماً لسيادة هذه الدول واستقلال قراراتها.

مفاوضات دونالد ترمب

كان ترمب قد تعهد بالتفاوض مع "أكثر من 75 دولة" قال إنها تواصلت مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن أي مفاوضات جدية مع تلك الدول ستتطلب منه الإقرار بأن معظم شركاء آسيا لا يسعون إلى خداع الولايات المتحدة الأمريكية. رغم ذلك، فإن التغير في الموقف يبدو غير مرجح حتى الآن، فبعد زيارة الرئيس شي إلى فيتنام، وصف ترمب هدف اللقاء بأنه "محاولة لمعرفة كيف يمكنهم خداع الولايات المتحدة الأمريكية؟". لكي تجني أمريكا مكاسب حقيقية من أي تحالف تجاري يُقصي الصين، يجب أن يضمن هذا التحالف عدم تأثير القوانين المحلية الصارمة والمعايير الأعلى في الولايات المتحدة الأمريكية سلبياً على قدرة منتجيها على المنافسة. كما ينبغي أن يسهم في بناء سلاسل توريد جديدة تشمل العمال الأمريكيين.
ما يحتاجه ترمب فعلاً لتحقيق أهدافه ليس مجرد تصعيد أو فرض رسوم جمركية، بل شراكة شاملة وعادلة وعالية الجودة، تضم الحلفاء عبر المحيط الهادئ. أو، إن صح التعبير، شراكة عبر المحيط الهادئ شريطة أن تكون "شراكة عبر المحيط الهادئ" بالمعنى الحرفي للكلمة.
خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي