السياسات الاقتصادية موجه للتنفيذيين في الحكومات

تطورت الدول في الاقتصاد الحديث، بداية من القرار السياسي ثم من السياسات الاقتصادية، ومن يقلل من شأن السياسات الاقتصادية على المستويات التنفيذية لا يشهد تأخراً في تقدم قطاعه فحسب، بل يفقد دوره بين القطاعات التي تتنافس نحو القمة وتقدم البلاد اقتصادياً.
تكشف تجارب الدول أن السياسات الاقتصادية مهما كانت مميزة نظرياً، فقد تفشل إذا لم تتوافق مع الظروف المحلية، ما يحمل المجتمع تكاليف باهظة.
السياسات الاقتصادية تعطي بعداً جديداً لإدارة الحكومات، حيث يمكنها تعزيز نجاح التنفيذيين أو الحد من قدراتهم التطويرية، ليس بسبب الكفاءة، بل بسبب غياب التوافق بين قراراتهم وفهمهم للإطار الاقتصادي.
الدول الجاذبة للاستثمارات مثل سنغافورة تتغلب على التحديات الاقتصادية بفضل سياسات مرنة وقرارات مدروسة لا تتعارض مع الأسس الاقتصادية، لكن الاقتصاد بطبيعته التفاعلية مع سلوكيات البشر، ينتج تداخلات معقدة تتطلب من صانعي السياسات فهماً عميقاً للبيانات، والاقتصاد السلوكي، والتاريخ الاقتصادي، إلى جانب مرونة في التصميم تتيح تعديل السياسات أو تقديم تعويضات عند ظهور نتائج غير متوقعة.
صياغة السياسات الاقتصادية لا تعتمد فقط على النماذج الرياضية، بل تتطلب فهماً للفلسفات الاقتصادية التي تشكل أساسها، على سبيل المثال، الليبرالية الكلاسيكية، التي تمجد السوق الحرة، ألهمت سياسات هونج كونج، حيث وجه التنفيذيون لتحرير الأسواق وجذب الاستثمارات، ما جعلها مركزاً مالياً عالمياً.
في المقابل، إدارة روزفلت خلال الكساد الكبير (1929-1939) الفلسفة الكنزية، موجهة التنفيذيين لتوسيع الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، ما أعاد إحياء الاقتصاد الأمريكي، أما النماذج المختلطة، كما في الدول الاسكندنافية مثل السويد، فقد وجهت التنفيذيين لتحقيق التوازن بين دعم الشركات الناشئة وتمويل التعليم والرفاهية الاجتماعية، ما أنتج اقتصادات قوية ومستقرة مع رفاهية اجتماعية.
لكن السياسات الجامدة قد تعوق التنفيذيين، في بريطانيا خلال عهد مارجريت تاتشر (1979-1990)، أدت سياسات الخصخصة إلى تعارض قرارات التنفيذيين في القطاع العام، ما تسبب في احتجاجات عمالية وتكاليف اجتماعية وسياسة، رغم نجاحها في تنشيط قطاعات مثل الاتصالات.
هذا التعارض ليس مجرد احتكاك إداري، بل صراع بين الرؤية النظرية والواقع العملي، وقد يدفع التنفيذيين إلى اتخاذ قرارات تخالف السياسات أو تؤدي إلى فشل مشاريعهم، خاصة إذا لم يفهموا الإطار الاقتصادي جيداً.
لمعالجة هذه التحديات، يجب تصميم سياسات مرنة تتضمن آليات تعديل تلقائية، كما تفعل الدول الاسكندنافية، وتدريب التنفيذيين على فهم الاقتصاد السياسي والسلوكي والنظريات الأساسية في الاقتصاد والنظم الاقتصادية لضمان اتخاذ قرارات متوافقة مع الأهداف الوطنية، على سبيل المثال، في رؤية السعودية 2030 صُممت سياسات لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، ووجه التنفيذيون في قطاعات السياحة والتكنولوجيا وتطوير مشاريع إستراتيجية مثل نيوم، مع تعديلات دورية بناء على النتائج كما حدث أخيرا في قرارات زيادة المعروض في القطاع العقاري ومعالجة الأمراض الاقتصادية مثل المضاربات والحد من ارتفاع الأسعار على المواطنين.
الاستفادة من التجارب العالمية، مثل راوندا التي أعادت بناء اقتصادها بعد 1994 من سياسات تركز على التكنولوجيا والزراعة، أو اليابان التي حققت " المعجزة الاقتصادية" بعد الحرب العالمية الثانية بدعم التنفيذيين لشركات مثل تويوتا.
في النهاية، السياسات الاقتصادية هي أكثر من مجرد خطط، فهي أدوات حيوية تُمكن التنفيذيين من تحقيق التنمية الاقتصادية إذا فُهمت وطبقت من خلال توافق يجمع بين تصميم سياسات مستنيرة وتدريب التنفيذيين ودعم الإعلام الاقتصادي وصناع الرأي الاقتصادي والاستفادة من التجارب العالمية، لضمان أن تكون السياسات الاقتصادية مرشداً يقود الحكومات نحو النجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي