حكاية جميلة اسمها «التدريب»
من يتحمل يوما "وعثاء البحث" و"كآبة النتائج" حول سوق العمل في عالمنا العربي، وتلك التشريعات "الصورية" التي تتحدث عن التدريب والتأهيل للعامل أو طالبي العمل، سيجد نفسه أمام خيارين؛ إما أن يصدق تلك التشريعات الوهمية أو أن يصدق الواقع أمامه، ثم يكتفي بالصمت والذهول!
مثلا، في نظام العمل الجديد في السعودية، هناك بنود تتحدث عن التدريب والتأهيل لموظفي القطاع الخاص، وتتفنن تلك البنود في عرض مواد التدريب دون أن تقرأ ما يجعل تلك التشريعات قابلة للتنفيذ كونها ببساطة تفتقد آليات واضحة تمكن الموظف من مطالبة جهة العمل بحقوقه في التدريب على رأس العمل.
أتذكر في أحد الاجتماعات مع شركة سعودية تملأ إعلاناتها شوارع وطرقات البلاد حول برامجهما الاجتماعية المسؤولة، أن المسؤول عن إدارة المسؤولية الاجتماعية في تلك الشركة ذكر على سبيل "التفاخر" كيف أنه أثبت وجوده دون أي برنامج أو دورة تدريبية، وهو ما دعاني لمقارنة قناعته بتلك البرامج المعلنة عن التدريب التي بدا أنها مجرد برامج للقفز على بعض التشريعات في مسألة التوطين!
حين خرجت من مبنى تلك الشركة، كنت أتصفح عشرات الأخبار الصحافية عن بعض الشركات التي تتحدث عن برامج دربت أرقاما من الشباب تصل إلى آلاف المتدربين؛ بيد أن واقع الحال يجيب بقوة: لا يمكن أن نتجاوز خانة العشرات وليس المئات طالما أن تشريعات التدريب والتأهيل لا ترتبط بأرباح الشركات التي هي بالتالي لا ترتبط بمؤشرات أداء أخرى أو بمخصصات سنوية في هذا الشأن، وتتم مراقبة تلك البرامج التدريبية والدورات من فرق التفتيش في وزارة العمل، لأن تعيين الموظف هو نقطة البداية، ولكن غض النظر عن تدريبه وتأهيله يعني أننا نسمح تحت غطاء تشريعي برفع نسبة العمال غير المهرة، وبالتالي إبطاء خط الإنتاج المهني، وضعف المخرجات الوظيفية، وغياب الإبداع.
عود على بدء، أستغرب من صناع التشريعات المهنية في بلادنا العربية، وكيف يسرفون في صياغة عشرات البنود التي أشك أن العاملين أنفسهم يقرأونها لمحدودية ثقتهم بها، ثم يبخلون إلى حد يثير الأسئلة: أين الكادر المؤهل للقطاع الخاص وأين نتائج السنوات الخمس الماضية في التأهيل والتوظيف، ومن التشريعات الفعالة ذات الكفاءة؟ وهل ينتهي حبر الصياغة "البيروقراطية" أو النمطية حين يتعلق الأمر بتشريع يخدم مفردات التنمية التي يمثل الإنسان فيها سنام الاستدامة؟!
أخيرا: هل كان الشاعر المتنبي، يخاطب "صناع التشريعات" في زمانه هو الآخر، حين قال:
ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام؟!