تصحيح المفاهيم المائية (4) .. ثمانية أكواب

تحدثنا سابقا عن بعض المفاهيم المائية الخاطئة كخطورة شرب ماء عالي الملوحة أو قليل الملوحة وتعرفنا على أهمية الأملاح الذائبة الموجودة على أغلفة المياه المعلبة كالفلورايد وتأثيره في الأسنان والنترات وخطرها على الأطفال الرضع. واليوم نستكمل الحديث عن مفهوم خاطئ يتم تداوله كثيرا في الإعلام وهو أهمية شرب ثمانية أكواب من الماء يوميا.
نسمع ونقرأ كثيرا عن أهمية شرب ثمانية أكواب من الماء يوميا وهو ما يقارب لترين. فهناك من يرى فوائد صحية لذلك، في حين يزعم أهل الجمال وجود رابط بين عدد معين من أكواب الماء ونقاء البشرة. أما أهل الرشاقة – الريجيم - وما أكثرهم فيفتون بفوائد شتى لشرب الماء في تخفيف الوزن.
بداية، لا يشك أحد في أهمية الماء أو أهمية شرب كمية كافية منه، إنما السؤال: ما الكمية الكافية؟ ومن أتى بهذا التصور عن هذا العدد المعين (8) من الأكواب؟
في تقرير للجمعية الأمريكية لأمراض الكلى نشر في عام 2008، خلص الباحثون إلى عدم وجود فائدة واضحة لشرب كميات أكبر من الماء. التقرير أيضا نقل عن أحد إخصائيي الكلى قوله إن شرب نصف هذه الكمية – لتر واحد يوميا - كاف لتغطية احتياجات الجسم الطبيعية.
مايو كلينيك – المستشفى الأمريكي الشهير- يدحض أيضا في تقرير حديث له مقولة الثمانية أكواب من الماء يوميا. المفترض – وفقا لمايو كلينيك- استبدالها بثمانية أكواب من المشروبات بشكل عام (للنساء و13 كوبا للرجال). فاستهلاك الجسم من الماء يوميا لا يأتي من شرب الماء فقط.
من المنطقي التشكيك في وجود عدد معين من الأكواب يجب شربه يوميا وذلك لأسباب. أولا، تختلف كمية الماء التي يحتاج إليها الجسم من منطقة لأخرى. فسكان المناطق الحارة كالمملكة العربية السعودية يستهلكون قدرا أكبر- لتعويض ما يخسره الجسم مقارنة مثلا بسكان النرويج. ثانيا، لا يستوي هنا من يقضي جل وقته أو كله في البيت أو المكتب مع من يتطلب عمله حركة مستمرة أو مع من يمارس الرياضة باستمرار. ثالثا، تقل حاجة الإنسان إلى الماء عندما يتناول وجبات غنية بالماء كالخضراوات أو يشرب الكثير من العصائر أو غيرها من الأشربة. الطعام مثلا يمثل 20 في المائة من استهلاك الجسم العادي من الماء. يبدو إذا أن شرب لتر واحد من الماء يوميا كاف لسد احتياجات الجسم العادية. لكن في حالة القيام بأنشطة رياضية أو الوجود في طقس حار فإن الجسم سيحتاج إلى كمية أكبر. المقياس لمعرفة ما إذا كان الجسم مكتفيا من الماء – كما يقول المختصون في مايو كلينيك - هو لون البول. فإذا كان بلون الماء أو قليل الصفرة فإن الجسم لا يحتاج إلى مزيد من الماء.
أما السبب في انتشار مقولة الثمانية أكواب فقد يكون واحدا من اثنين. الأول لسهولة حفظها – حيث كان يقال ثمانية أكواب كل كوب يحتوي على ثماني أوقيات وهي وحدة أمريكية لقياس الحجم - ولهذا انتشرت في الإعلام ثمانية في ثمانية. أما الاحتمال الآخر فيعود بنا إلى 1945 حيث صدر تقرير حكومي أمريكي وتحديدا عن مجلس الغذاء والتغذية يقترح شرب مليليتر واحد عن كل سعرة حرارية يتناولها الإنسان. فإذا كان الإنسان في ذلك الوقت يتناول في المتوسط 2000 سعرة حرارية فهذا يعني شرب لترين يوميا أو 68 أوقية وهي ما تساوي ثمانية أكواب تقريبا.
هذا عن الصحة أما من يشرب الماء بحثا عن بشرة أنقى وخالية من التجاعيد فسيصاب بالإحباط عند معرفة أن هذه المقولة لا أساس علميا لها. الدراسات في هذا المجال تحديدا قليلة، إحدى المجلات المتخصصة (Clinics in Dermatology) نشرت سنة 2010 دراسة عن العلاقة بين شرب ثمانية أكواب يوميا بجمال البشرة ولم تعثر سوى على بحث وحيد في عام 2007 بنتائج غير نهائية وإن كانت تقترح شرب عشرة أكواب تقريبا للحصول على بشرة صحية. قلة البحوث في هذا المجال منطقية، حيث لا يمكن أن تستفيد أي شركة تجميل من وجود فوائد للماء تنافس منتجاتها.
وأخيرا، لا يبدو أن شرب الكثير من الماء يساعد على خسارة الوزن فالجهاز المسؤول عن العطش منفصل تماما عن ذلك المسؤول عن الجوع. الأفضل كما يقول المختصون هو شرب أطعمة غنية بالماء وهو ما يؤدي إلى تحقيق الشبع والارتواء في آن واحد.
في الواقع شرب كميات كبيرة من الماء (بشكل سريع) قد يؤدي إلى الوفاة وهي حالة طبية نادرة تعرف بالتسمم بالماء أو (Hyponatremia). في هذه الحالة ونتيجة للماء الكثير يقل تركيز الأملاح في الجسم، خاصة الصوديوم ويقوم الماء بغمر الخلايا وهو ما قد يؤدي إلى ضرر في خلايا الدماغ وأحيانا الوفاة. أغلب الحالات المسجلة بسبب الإفراط في الماء مرتبطة بممارسي الركض لمسافات طويلة.
ختاما، شرب الماء ضروري للجسم لكن تحديده برقم ثمانية أكواب ليس له أساس علمي سواء في المجال الصحي أم التجميل والرشاقة. أيضا النقاش السابق كان موجها لاحتياجات الجسم الطبيعية، وليس لمن يعانون اختلالات عضوية أو مرضية كمرضى الكلى تتطلب شرب كميات أكبر أو أقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي