التصور والحكم

التصور والحكم

ثمة قاعدة شائعة الذكر تقول: "إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره" وهذه المقولة مقررة في جملة من الدوائر العلمية في كتب المنطق والأصول التي يقع فيها ذكر لمقدمات التصور وترتيب مداركه، وإذا كان كثير من هذا يقع تحت لغة أهل المنطق والنظر، فإن المعنى المؤكد من حيث هو حقيقة ثابتة أن التصور له أثر في ترتيب الحكم، وبصورة أخرى فإن السؤال الفصيح من حيث المعنى والقصد فضلا عن اللغة يحصل عنه الحكم المناسب له، وعن هذا كان السالفون من فقهاء هذه الأمة يعنون بمعرفة معنى السؤال وجهة الحكم فيه، لأن حسن الإحاطة بالتصور يحمل على اعتبار الجهات المؤثرة في الحكم باعتبار دليل الحكم وعلته وما يترتب عليه، فإن الأحكام، كما هي معتبرة بأدلة تشريع الأحكام فإن الأحكام معللة، وأدلة وقوع الأحكام مؤثرة في الحكم كذلك، وهذه المعاني لها تفاصيلها العلمية في كتب الأصول والقواعد، وتطبيقات الفقهاء في كتب الفروع، وجملة المقصود هنا لزوم اعتبار ضبط التصور المناسب في حال النظر والفتوى والحكم، وربما كان كثير من دفع الفتوى عند السالفين يقع تحت هذا السبب في ترك القول لتأخر التصور عن رتبة الانضباط، وإن كان ثمة أسباب أخرى لهذا.
وفي الجملة فصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام قال كما في الحديث الصحيح: (العلماء ورثة الأنبياء....). وحق هذا الميراث أن يقام قدره حفظا لمقام الشريعة، وبعداً عن القول فيها بغير علم، مع حسن القيام ببيان أحكام الشريعة لعباد الله، فإن الله في كتابه نهى أهل العلم عن كتمانه كما نهاهم عن القول عليه بغير علم، والفقه وسط في اعتبار المقصدين، والله الهادي.

الأكثر قراءة