الاقتصاد البريطاني يغرق في المجهول ويواجه صدمة «قوية»
مع قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء توقعت وسائل الإعلام نتائجه، يغرق اقتصاد بلدهم في المجهول وقد يعاني صدمة تزعزعه فتتسبب بتباطؤ النمو وارتفاع البطالة.
وركز أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي حملتهم على مخاطر انهيار الاقتصاد، غير أن تحذيراتهم لم تكن كافية، وباتت بريطانيا بعد الاستفتاء المدوي في مواجهة عاصفة أثارها قرار الخروج من الاتحاد.
وبحسب "الفرنسية"، فإن النتيجة الآنية لهذا القرار قد تكون أزمة مالية مصغرة قد لا تقتصر على حي المال والأعمال في لندن، بل تتخطى حدود المملكة المتحدة، إذ إن خروج القوة الاقتصادية الخامسة في العالم من أوروبا سيكون له حتما وقع كبير في العالم.
وتراجعت بورصتا هونج كونج وطوكيو بنسبة 5 في المائة وقد تحذو حذوها أيضا بورصة لندن والأسواق المالية العالمية الكبرى، كما أن أسواق السندات ستشهد توترات كبرى وقد تراجع الجنيه الاسترليني إلى 1.33 دولار في طوكيو، فخسر 10 في المائة من قيمته خلال النهار بعدما توقع رجل الأعمال الكبير جورج سوروس أن يهبط بنسبة لا تقل عن 15 في المائة.
وبمعزل عن تراجع الأسواق، من المتوقع أن تكون وطأة هذا القرار البريطاني على الاقتصاد كبيرة، وإن كان المختصون اختلفوا على المخاطر التي قد تنجم عنه، إلا أنهم يتوقعون بصورة إجمالية عواقب سلبية، اقله للسنوات القليلة المقبلة، بسبب مجموعة من المخاطر الفادحة.
وحذرت الحكومة البريطانية بان المفاوضات حول شتى المسائل التي يطرحها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنها شروط الخروج وإبرام اتفاقيات جديدة مع دول الاتحاد ومعاهدات تجارية مع دول خارج الاتحاد المرتبطة معه بتفاهمات، قد تستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمن.
وهذا ما يجعل لندن تتوقع فترة طويلة من الغموض" تترافق مع "عواقب بالنسبة للشركات البريطانية والتجارة وجاذبية الاستثمارات، وقد تتكثف الحواجز التجارية خلال هذه الفترة الانتقالية وتوقعت منظمة التجارة العالمية أن يترتب على المصدرين البريطانيين دفع 5.6 مليارات جنيه استرليني (7.2 مليار يورو) سنويا من الحقوق الجمركية الإضافية.
كما حذر سكوت كورف مدير مركز الأبحاث في الاقتصاد والأعمال بأن العديد من الشركات تستخدم بريطانيا كبوابة دخول إلى أوروبا وحذر عدد منها بنقل مركزها الأوروبي في حال خروج بريطانيا من الاتحاد"، متوقعا تراجع الاستثمارات الصينية والأمريكية.
وخاض أنصار الخروج من أوروبا حملة أيضا للحد من الهجرة، ما سيؤدي إلى تراجع تدفق الأيدي العاملة القادمة من أوروبا الشرقية والغربية والتي عززت الاقتصاد في السنوات الأخيرة، وفي نهاية المطاف، فإن خروج بريطانيا قد يحد من النمو الاقتصادي الحيوي المسجل منذ سنتين، ويدرس صندوق النقد الدولي سيناريو سلبيا يشهد فيه الاقتصاد البريطاني انكماشا العام المقبل، ما سيؤدي إلى ارتفاع البطالة مجددا من 5 في المائة حاليا إلى 6.5 في المائة في غضون سنتين.
وهذا الوضع الاقتصادي سيجفف العائدات الضريبية ويتوقع معهد الدراسات المالية أرباحا فائتة سنوية تراوح بين 20 و40 مليار جنيه استرليني حتى عام 2020، آخذا في الاعتبار في حساباته وقف المساهمة البريطانية في ميزانية بروكسل.
وحذرت وكالة "ستاندارد آند بورز" للتصنيف الائتماني بأن بريطانيا ستخسر نتيجة لذلك تصنيفها الأعلى "إيه إيه إيه" الذي تمنحه لها بصورة متواصلة منذ نصف قرن، وفي سياق البلبلة المالية المرتقبة، فإن الحي المالي في لندن قد يخسر من جاذبه، وتخشى المصارف أن تفقد حقها في بيع خدماتها المالية دون قيود انطلاقا من المملكة المتحدة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وتعتزم مصارف "إتش إس بي سي" البريطاني و"جي بي مورجان" و"مورجان ستانلي" و"جولدمان ساكس" الأمريكية نقل وظائف إلى خارج بريطانيا، بحسب ما أفادت مصادر داخل هذه المؤسسات، وقد تطول هذه العمليات بصورة إجمالية نحو 100 ألف وظيفة مالية، بحسب شركة الضغط "ذي سيتي يو كاي".
وقد ينعكس قرار الانسحاب على قطاعات التصنيع مثل قطاع الطائرات ولا سيما شركة "إيرباص" الأوروبية، أو قطاع صناعة السيارات المزدهر في بريطانيا، وهي قطاعات قد تعاني حواجز ضريبية جديدة، في حين لن يعود بوسع قطاع الإنشاءات والأشغال العامة الاعتماد كما الآن على تدفق اليد العاملة من المهاجرين.
ولن تقف الأضرار عند هذا الحد بل ستطاول صورة المنتجات البريطانية نفسها وقال سكوت كورف إن هناك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبات الناس يتوقعون منذ الآن للبلاد نزاعا حول استفتاء ثان محتمل حول استقلال اسكتلندا، لم تعد بريطانيا تبدو آمنة بالقدر الذي كانت عليه من قبل.