انخفاض أسعار النفط يضعف القدرة التنافسية لحقول بحر الشمال

انخفاض أسعار النفط يضعف القدرة التنافسية لحقول بحر الشمال
تراجع إنتاج حقول بحر الشمال إلى 965 ألف برميل العام الماضي.

يوم بعد آخر يزداد مصير حقول نفط بحر الشمال التابعة للمملكة المتحدة غموضا وتعقيدا، فانخفاض أسعار النفط لعب دورا رئيسيا في إضعاف القدرة التنافسية لإنتاجها النفطي، في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج برميل البترول من تلك الحقول، لكن الغموض حول مصير حقول بحر الشمال وقدرتها على مواصلة الإنتاج ضمن المنظومة الدولية لإنتاج الخام، ازداد في أعقاب الاستفتاء البريطاني الذي صوت فيه الناخب لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
والمشكلة الآن أن معدل إغلاق حقول النفط البريطانية في بحر الشمال ازداد بشكل ملحوظ، والسبب تراجع الاستثمارات نتيجة حالة عدم اليقين التي تهيمن على الأسواق البريطانية من جراء التصويت بالانسحاب من التكتل. ويشير تقرير لمجموعة النفط والغاز في المملكة المتحدة، وهي مجموعة صناعية تلعب دورا حيويا في رصد تطورات الوضع في القطاع، إلى ارتفاع الإنفاق المتوقع على وقف التشغيل في قطاع النفط البريطاني خلال الفترة من 2014 إلى 2024 ليصل إلى 22.2 مليار دولار.
ويعد هذا التقدير أعلى بنسبة 16 في المائة من التوقعات ذاتها في عام 2014، ويرجع التقرير السبب وراء ارتفاع التوقعات إلى الإغلاق المتزايد لحقول النفط البريطانية في بحر الشمال.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور جون بلاك المختص النفطي في شركة "شل"، أن انخفاض أسعار النفط عن 50 دولارا للبرميل، أدى إلى أن تعمل 30 في المائة من حقول النفط في بحر الشمال بخسارة نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج، وحتى قبل تصويت البريطانيين للخروج من النادي الأوروبي، فإن العديد من شركات النفط كانت قد اتخذت قرارها بعدم الاستثمار في بحر الشمال.
وتوقع بلاك، إغلاق المزيد من حقول النفط البريطانية في الأجل القصير، خاصة أن قرابة ثلث المنصات العاملة في المملكة المتحدة تجاوز عمرها ثلاثة عقود، أي تجاوزت العمل الافتراضي لها وعملية التطوير أو التحديث ناهيك عن تغيرها بالكامل مكلفة للغاية، ولن تكون مجدية إلا عند وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولار للبرميل، وهذا مستبعد في الأمد القصير أو المتوسط. وكان الإنتاج النفطي لحقول بحر الشمال قد تراجع بشدة بعد أن بلغ أقصى معدل إنتاجي له عام 1999 وحقق 2.9 مليون برميل يوميا، بينما لم يتجاوز إنتاجه اليومي العام الماضي 965 ألف برميل.
وقد بلغت تكلفة إغلاق حقول نفط بحر الشمال هذا العام - بما في ذلك تكلفة فك المنصات الحديدية - 899 مليون جنيه استرليني، ويتوقع أن تقفز إلى 2.8 مليار استرليني، حيث أغلقت شركة "شل" أحد أكبر حقول النفط في بحر الشمال وهو حقل برنت الذي يعمل منذ عام 1970، الذي يعد إنتاجه أحد المعايير العالمية لتحديد سعر النفط.
ويشير لـ "الاقتصادية"، هاري براون المختص في قطاع المصارف إلى أن مشكلة قطاع النفط البريطاني باتت أكثر تعقيدا الآن، فقبل إظهار البريطانيون رغبتهم في مغادرة أوروبا، كانت الشركات النفطية الكبرى مثل "شل" تراهن على قدرتها على بيع بعض أصولها في مناطق مختلفة من العالم ومن بينها بحر الشمال لمستثمرين دوليين.
وأوضح براون، أن أصول "شل" المطروحة للبيع كانت تقدر بـ 30 مليار استرليني، ويمكن استخدام جزء من العائد لإنعاش استثماراتها النفطية في بحر الشمال، ولكن من المشكوك فيه الآن أن تفلح الشركة في بيع تلك الأصول، ومن ثم لن تستطيع ضخ أي رؤوس أموال جديدة في صناعة النفط البريطانية. ويعتقد بعض خبراء صناعة النفط في المملكة المتحدة أن إعادة إنعاش الصناعة وتحديدا في منطقة بحر الشمال يتطلب استثمارات تقدر بـ 50 مليار دولار خلال فترة تراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
ويقول لـ "الاقتصادية"، جون آركيل المختص النفطي، إن قصور الاستثمارات في القطاع النفطي البريطاني بصفة عامة، وفي منطقة بحر الشمال على وجه الخصوص، يتطلب ضخ رؤوس أموال ضخمة لضمان انتعاش الصناعة، ولكن يبدو من الصعب حدوث ذلك الآن، فالحكومة تعاني عجزا ماليا يصعب معه إقناعها بأن تتولى هذه المهمة، وما بها من استثمارات ضخمة، كما أن القطاع الخاص والمستثمرين الدوليين غير مقبلين على الاستثمار في مجال النفط في بريطانيا سواء لانخفاض أسعار النفط، أو لحالة عدم اليقين المرتبطة بعلاقة لندن ببروكسل.
ويضيف آركيل أن المسار الذي تسلكه حاليا العديد من شركات النفط البريطانية العملاقة يبدو منطقيا ويتلاءم مع التطورات الجارية في السوق العالمي من جانب وقدرتها الاستثمارية من جانب آخر، فهي تتجه للتركيز أكثر فأكثر على الاستثمار في مجال الغاز، بل بعضها بدأ في التوجه إلى الطاقة المتجددة، ويمثل ذلك حلا إيجابيا في الوقت الحالي، حتى يحسم وضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وإلى أن تبدأ أسعار النفط في الارتفاع مجددا.

الأكثر قراءة