تشششش.. يا شاعر القبيلة

تشششش.. يا شاعر القبيلة

مدخل: "الرجل.. الذي يتكئ على اسم قبيلته، لا يستحق أن يحمل اسمها" أبوي

عندما بدأت كتابة الشعر، كنت صغيرا ومندفعا إلى أي بقعة ضوء قد أراها في عيون "الأقارب" قبل الأغراب، أكتب لأعجب الآخرين وأحس بما تكنه عيونهم لي، ورغم أن لا علاقة لي بعلم النفس، إلا أني كنت أرى ذلك مدخلا للولوج إلى أرواح الآخرين بانسياب وأريحية!
في حرب الخليج الثانية دخلت القوات السعودية في حرب تحرير الكويت، فكتبت قصيدة حماسية ركضت بها إلى والدي لأسمعه إياه، سمعها واستغرب كمية الفخر - المقحمة عنوة أحيانا - في أبياتها وكان عمري آنذاك 13 عاما، سألني: "تكتب عن الوطن، ما علاقة فخرك في قبيلتك بـ الموضوع؟" لم أجب حتى هذه الساعة!
أتذكر هذه الحادثة وأنا أقرأ وأستمع وأشاهد الكم الكبير من "الفخر القبلي" الذي ملأ الفضاء والأوراق، و"الفخر" إذا ما أضفنا له "تش" بترتيب معين، سيتحول إلى "تفشخر"، وهو معنى قريب لا يفصل بينه وبين سابقه سوى شعرة، فهذا الغرض الشعري الذي تضخم أخيرا بفعل عوامل مادية بحتة أضحى أكثر أغراض الشعر تناولا، وأصبح "الناظمون" يبحثون طرقا جديدة لتكرار "الفشخرة" بشكل أضحى فجا ومقززا.
"القبيلة" ليست بحاجة إلى الشاعر ليمدحها ويرفع من شأنها بكلام منظوم، هو الذي يبحث عنها وعن دغدغة مشاعر الضعفاء من بني عمومته، لكي يصل إلى أكبر عدد منهم بترديد كلماته المنظومة - غالبا - وهذا شأن كل مخلوقات الأرض، لتحصل على إعجابها ومتابعتها عليك بكيل المديح لها، واحصل على ما تريده منها، حتى لو يعلمون أنه "نصاب" و"عبلدي" ويقول ما لا يفعل!
أيا كانت أصول الفرد منا، يظل فخورا بنفسه وبأهله، وهو حق طبيعي لأي منا، إلا أنه يتعدى ذلك متى ما كانت "الطنطنة" على وتر القبيلة تهدف إلى جذب "المستهلك" لمنتج رديء، واستغلال عاطفته لتمجيد ناظمين لا يعرفون حقيقة الشعر ولا يعون ماهيته.
حقيقة هو أمر تافه وبغيض، إلى الدرجة التي تمنيك نفسك فيها بامتلاك "دبوس" وأنت تستمع إلى أحد هؤلاء الذين يستغلون اسم القبيلة لتمجيد أنفسهم، فقط لتزيل "التش" من "الفخر"، بزرع هذا الدبوس في رأسه!

الأكثر قراءة