خطيب الحرم المكي: السعودية تدير الحج بكل كفاءة واقتدار منذ عشرات السنين
قال الشيخ صالح بن محمد آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام، "إن هذه البلاد تتشرف بخدمة حجاج بيت الله الحرام، حيث إن كل أجهزتها ورجالاتها ومؤسساتها تبذل جهودا هائلة لخدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين، فمنذ عشرات السنين وهي تدير موسم الحج بكل كفاءة واقتدار ورعاية تدعو إلى الفخر".
ولفت في خطبة العيد في المسجد الحرام أمس، إلى أن العمارة التي تمت وتتم في الحرمين الشريفين ورعايتهما ورعاية قاصديهما ظاهرة شاهرة وواضحة للعيان، وقد أحاط الله بيته وضيوفه بالأمن والطمأنينة في أيام يضطرب فيها العالم وتشتعل نار الفتن والحروب، حامدا لله الذي سخر لبلده الحرام حماة صادقين، حفظ الله بهم الدين وحفظ بهم العباد والبلاد.
وأوضح أنه على مر عصور الإسلام حاول من حاول أن يقطع الطريق على الوحيين الحافظين المحفوظين كتاب الله وسنة نبيه بأن يسقطهما أو يسقط حملتهما بالقدح في عدالتهم أو نسبتهم إلى السوء، وكل أولئك قطاع طريق الشريعة ولصوص الأديان يجلبون بغاراتهم الشعواء على أتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يزيدون جراح الأمة فتقا ويرهقون جسدها إثخانا وخرقا، ينشطون في حال وهن الأمة وضعفها كأنما تعاقدوا مع العدو على الإجهاز على الجسد الجريح جسد الأمة الذي تئن أوصاله المكلومة في فلسطين والشام وبقاع شتى من البلاد المسلمة، تكالب عليها الأعداء وخذلتها المنظمات الأممية، التي لا يعنيها صريخ الأطفال وأنين الجرحى والمشردين.
وأكد أن هذا يستدعي واجبا على المسلمين أفرادا وجماعات ومؤسسات وحكومات تجاه إخوانهم في تلك البلاد مشاركة في الآلام والآمال وقوفا في الملمات وشديد الأحوال وبذلا للمعروف والإحسان.
وأضاف "حجاج بيت الله الحرام أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها العيد منحة الله لكم لتسعدوا وهداياه لكم لتسروا وتعبدوا، عمل صالح يقبل ورحم توصل، وأيد تتصافح ونفوس تتسامح، إنه فرح بلا تجاوز وسرور بلا طغيان، والحمد لله على كمال الدين ويسره، فالعيد شعيرة من شعائر الله، فيها ذكره وشكره والفرح بنعمته".
وبيّن أن هذا اليوم يوم مبارك رفع الله قدره وأعلى ذكره وسمّاه يوم الحج الأكبر وجعله عيداً للمسلمين حجاجا ومقيمين، ففي هذا اليوم الأغر يتوجه الحاج إلى منى لرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم يذبح هديه إذا كان متمتعا أو قارنا ويحلق رأسه وبهذا يتحلل التحلل الأول ويباح له ما كان محرماً عليه بالإحرام إلا الجماع، ثم يتوجه الحاج إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة ثم يسعى بين الصفا والمروة ولا حرج في تقديم بعض الأعمال على بعض.
وأوضح الشيخ آل طالب أن حج النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بلاغا للبشرية كلها، خطب الناس في مواطن عدة وبلغهم وودعهم وأعلن استقرار الشريعة وكمال الدين وتمام النعمة، كانت خطاباته في الحج عبرا ومواعظ وأحكاما، أرسى بها قواعد الدين ومبادئ العدل وأصول الإسلام والمعالم الكبرى لهذا الدين العظيم، فقرر التوحيد وحفظ النفوس والأموال والأعراض وألغى معاني الطبقية والعنصرية وقرر حقوق المرأة ونبذ الربا، فالواجب على المسلمين أن يستلهموا من توجيهات نبيهم أرقى المبادئ وأقوم السبل وأنجح الطرق للعدالة وإسعاد البشرية في الدنيا وفي الآخرة.
وأفاد بأن هذا الدين دين الوسطية والاعتدال والتسامح لا بدع فيه ولا خرافات، فلقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدع المحدثة والتأويلات المنحرفة، ذلك أن خطر البدع المضافة يكمن في تغيير ملامح الدين وذوبان الحدود بين ما جاء عن الله وما أضافه الخلق، فيختلط الكمال بالضلال والوحي بالرأي وما نزل من السماء بما نبت من الأرض، إنه لا مكان في الإسلام لوسطاء بين الله وخلقه، فكل مسلم مكلف أن يقف بين يدي الله الكريم مهما كانت حالته وهو موقن أن دعاءه ينتهي إلى سمع الله العظيم من غير تدخل بشر أيا كان شأنه، فلا قيمة للنوايا الحسنة في شرعنة البدع والمحدثات، لذا جاء النهي صارما والعقوبة غليظة على من ابتدع في دين الله.
وأشار إلى أن البشرية اليوم وإن أظهرت غناءها بما بلغته في الصناعة والفكر والعلوم إلا أنها لتعيش تيها في الغاية وظمأ في الروح ولم يزل ميزان العالم شديد التأرجح قابلا للكسر بسبب توظيف نتاج الحضارة صناعة واقتصادا في تأجيج الصراعات وقهر الضعفاء، فالحضارة بلا قيم تزيد العالم بؤسا والمدنية بلا دين تعود بلاء ورجسا، وهذا العالم اليوم شاهد على ذلك، فلم يغن السبق والريادة دولا من تفكك اتحاداتها والتوجس من مستقبلها، وهذا ما يزيد العبء ويعظم المسؤولية على ورثة الأنبياء وحملة الشريعة وهدي السماء ليبلغوا بهذا الدين كل سكن وساكن وكل راغب ومعرض، فإن بلاغهم حسنات وأجور ودعوتهم فخر ونور سلفهم الأنبياء وثمارها وصل الخلق بالخالق وهم مأجورون أيا كانت نتائج جهدهم، والدعوة إلى الله وإن كانت مقاصدها خالصة لله إلا أن الله ليعجّل ببعض ثمارها في الدنيا ويحمي البلاد بما تحمي من شرعته ويحفظ العباد بما يحفظون من سنته، فالمسلمون كل المسلمين حراس لمقدساتهم غيورون على بلاد ترعى الحرمين وترفد حجاجهما وعمارهما.
ودعا في خطبته، الدعاة والمصلحين إلى الوحدة وعدم التفرق والاختلاف، مضيفا "زمننا هذا أحوج ما يكون لكم، حتى إن شانئيكم والشاغبين عليكم في حاجة إلى بضاعتكم، وإن استكبروا وعتوا فاصبروا كما صبر أولو العزم من الرسل، فلستم أكرم على الله من أنبيائه، ومهما ساءكم جدب الصحارى وتتابع الدهور فإن مرور سحابة كاف لاستخراج مكنون الأرض لتتحول الصحارى إلى جنان".
وحث الدعاة والمصلحين، على التأسي بدعوة الأنبياء جميعا بالبدء بالتوحيد أولا ثم تعليم الشريعة على هدي القرآن الكريم وما صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الرفق واللين والصبر والبعد عن الهوى، مضيفا "لندرك أن أمتنا تضعف مواجهتها لطوفان الخارج إذا كانت معتلة من الداخل، فانهجوا منهج الرسل في مواجهة أدوائنا الداخلية، فقد كثرت الشبهات التي يبثها الإعلام وازدادت حدة الدعوات التي تشيعها فرق أقحمت نفسها تحت اسم الإسلام، ومواجهة أولئك تكون بتجديد التوحيد في نفوس الناس ودعوتهم إليه أولا، فإن النفوس إذا تقبلت التوحيد واقتنعت بأن مصدر الإسلام هما الوحيان فحسب فإن كثيراً من البدع والشبهات القائمة في نفوس معتنقيها تتساقط لانقطاع المدد وجفاف المورد".
وأكد أن التضامن بين المسلمين في هذا العصر ضرورة للبقاء، والعالم يتكتل ولا يحترم إلا المتحدين الأقوياء، وإن الشعوب الإسلامية تنشد السلام ولا تريد غير الإسلام عقيدة تؤمن بها ونظاما يحكمها ودينا يجمع شتاتها وأخوة توحد صفوفها وعملا صادقا يحقق أهدافها وعدالة تسود مجتمعاتها ومساواة تنتظم طبقاتها لتعيش في سلام وتعبد الله في أمان، مشيرا إلى أن أسوأ أنواع التفرق هو التفرق في الدين، إن المسلم ليحزن حين يرى بعض المسلمين وقد ارتدت سهامهم إلى بعض في تنازع وخلاف والعدو يتفرج في حضور.
وبيّن الشيخ آل طالب أن الواجب على أهل التربية والتعليم أن يبذلوا مزيد عناية في ترسيخ القيم والمبادئ ويتحمل الإعلام وأرباب الأقلام واجبا كبيرا ومسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع بما يعرض سلبا أو إيجابا، يجب أن يحقق التعليم والإعلام الأهداف النبيلة الراعية للأفراد والأسر تكوينا وإنشاء وتربية على القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة والوفاء بالحقوق والقيام بالواجبات، فالأجيال أمانة في الأعناق.
وفي المدينة المنورة قال الشيخ حسين آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي، "إن الأمة الإسلامية تمر بفتن وأخطر فتنة هي منهج الغلو في الدين والتكفير، وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذر من ذلك في خطبة الوداع، فعلى المسلمين اتباع الكتاب والسنة والبعد عن الغلو".
وأكد آل الشيخ، في خطبة العيد أمس، أن أعداء الدين يحاولون زرع الفتن ونشرها بين شباب المسلمين، فعلى شباب المسلمين الحذر من ذلك فبهم تنهض الأمة، وباتباعهم منهج الغلو والتكفير تسقط الأمة.
وذكر أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تبذل جهودا جبارة في خدمة ضيوف الرحمن ولا ينكر هذه الجهود الا جاحد أو حاقد.
وأوضح أن الحكم بالكفر من الأحكام الخطيرة والحساسة، ولا يكون إلا بتثبّت وبيّنات، وأن علماء الأمة المحققين القدماء والمعاصرين قد حذروا من منهج الغلو.