كيف تستغل المحال التجارية "عقلية القطيع" لزيادة المبيعات؟
قد لا تبدو أي رحلة إلى السوبرماركت تمرينا على الحرب النفسية إلا أنها كذلك بالفعل! فأصحاب المحال التجارية يدركون أن امتلاء المتجر برائحة المخبوزات الشهية الطازجة سيدفع الناس إلى الشعور بالجوع ويقنعهم بشراء كمية أكبر من الطعام تزيد على حاجتهم. كما يؤدي وضع أغلى المنتجات أمام عيون المشترين إلى قيام أصحاب المحال التجارية ببيع هذه السلع بشكل أسرع من السلع الأقل ثمنا وكذلك إلى جعلها منافسا غير ملحوظ للسلع الأرخص سعرا. ووفق دورية "العلوم والتكنولوجيا"، يحقق الآن الباحثون في كيفية استخدام مفهوم "ذكاء القطيع" swarm intelligence (أي كيف يتصرف النمل، أو النحل، أو أي حيوان اجتماعي، بما في ذلك الإنسان داخل أي حشد) للتأثير في حركة الشراء.
وفي مؤتمر عُقِد أخيرا في مدينة روما حول محاكاة السلوك التكيفي، قام أحد علماء الكمبيوتر ويدعى زيشان الحسن عثماني من معهد فلوريدا للتكنولوجيا بوصف طريقة جديدة لزيادة دوافع الشراء لدى المستهلكين باستخدام ظاهرة ذكاء القطيع. وتقوم محال السوبر ماركت بالفعل بتشجيع المتسوقين على شراء سلع لا يدركون رغبتهم في شرائها. وعلى سبيل المثال، يتم ذلك من خلال وضع السلع الأساسية اليومية كمنتجات الألبان والبيض في نهاية المتجر وإجبار المتسوقين على التجول والمرور أمام سلع أخرى مغرية للوصول إلى تلك السلع الأساسية. وبدأ كل من عثماني ورونالدو مينزيس، الذي ينتمي أيضا الى معهد فلوريدا للتكنولوجيا، بتعزيز هذا الاتجاه إلى شراء المزيد من السلع باللعب على وتر غريزة القطيع. وتكمن الفكرة في أنه في حالة شيوع وانتشار أحد المنتجات بين الناس، فمن المرجح أن يختار المتسوقون هذا المنتج أيضا. ويتمثل التحدي في إبقاء المستهلك على دراية بما يشتريه الآخرون.
استغلال تكنولوجيا البطاقة الذكية
كل منتج يباع في السوبر ماركت الخاص بعثماني يتضمن علامة تعريف هوية بالترددات اللاسلكية وهي إحدى أنواع الباركود (شفرة الرموز العمودية) التي تستخدم موجات الراديو لبث المعلومات. وتحتوي جميع عربات التروللي على ماسحات ضوئية وظيفتها قراءة هذه المعلومات وترحيلها إلى جهاز الكمبيوتر المركزي. وبينما يمر المستهلك على أحد أرفف السلع، تخبره إحدى الشاشات المثبتة على الرف بعدد المشترين الذين اختاروا هذا المنتج المحدد في الوقت الحالي. وإذا كان العدد مرتفعا، يزيد احتمال قيام المستهلك باختيار هذا المنتج أيضا.
وينال نموذج "تحركات القطيع" لعثماني استحسان وإعجاب محال السوبر ماركت؛ لأنه يزيد من حجم المبيعات دون الحاجة إلى تقديم أي خصم في الأسعار للمشترين. كما يمنح هذا النموذج المتسوقين شعورا بالرضا حين يعلمون أنهم قاموا باختيار وشراء المنتج "الصحيح" وهو المنتج الذي اشتراه الآخرون وأقبلوا عليه. ولم يتم اختبار النموذج على نحو واسع على أرض الواقع ويرجع ذلك أساسا إلى حداثة تكنولوجيا تحديد الهوية بالترددات اللاسلكية، حيث تم تركيبه فقط على سبيل التجربة في بعض محال السوبر ماركت. ولكن عثماني يقول إن كلا من سلسلة متاجر وال- مارت في أمريكا وتيسكو في بريطانيا تهتم جدا بعمله وسيبدأ اختبار النموذج في فصل الربيع.
وتوضح دراسة أخرى أجريت أخيرا حول قوة التأثير الاجتماعي أن هذه الطريقة يمكن أن تساعد على زيادة المبيعات فعلا. وقد وصف ماثيو سالجانيك وزملاؤه في جامعة كولومبيا في نيويورك إنشاء سوق "زائفة" للموسيقي، وسجلوا فيها أن نحو 14 ألف شخص قد قاموا في هذه السوق بتحميل أغاني غير معروفة من قبل. واكتشف الباحثون أنه حين يرى الناس تصنيف الأغاني حسب عدد المرات التي تم تحميلها فيها، يتبعون القطيع في اختيارهم. وحينما لا يتم ترتيب الأغنيات وفقا لنوع الأغاني، مع عرض عدد مرات تحميل الأغنية، فإن تأثير السلوك الاجتماعي لا يزال موجودا إلا أنه غير واضح, وبذلك يحذو الناس حذو القطيع حين تتاح لهم فرصة القيام بذلك.
وفي اليابان كانت سلسلة من المتاجر تدعى رانكينج رانكوين ترتب منتجاتها وفقا لبيانات المبيعات التي يتم الحصول عليها من المراكز التجارية الكبرى وشركات الأبحاث. ولا تبيع هذه المتاجر إلا أشهر المواد الخاصة بكل صنف من أصناف المنتج، ويتم تحديث قوائم الترتيب أسبوعيا, كما تهدف شركة Icosystem في كمبريدج، في ولاية ماساتشوستس، إلى استغلال المعرفة بالتواصل الاجتماعي لتحسين المبيعات.
وبالمثل، فإن علم النفس الذي يتم تطبيقه في تحسين حركة البيع داخل المتاجر الحقيقية يتسم بالفاعلية أيضا على الإنترنت. ويعد تجار التجزئة عبر الإنترنت مثل شركة أمازون خبراء مهرة في إخبار المتسوقين بالمنتجات الشائعة بين المستهلكين المتقاربين في التوجّه. وحتى إذا كنت تستمتع بالخصوصية داخل منزلك، فلا مناص من أن تصبح جزءا من القطيع.