هكذا علمتني الأيام «18»
الأخطاء بلا آباء
المجتمعات بصفة عامة لديها سلوك عام نحو مسألة الوقوع في الأخطاء. ومن عادتنا، أو عادة أكثرنا، التفنن في إيجاد المبررات لأخطائنا بدل لوم أنفسنا مباشرة. فهنا يقوم أولئك البعض بسرعة وتلقائية برقية أحيانا في التبرير والتعليق على الشماعات المختلفة إلى أي شخص أو أشخاص أو جهات أخرى. وهذا السبب الأهم في إخفاق المجتمعات، سواء من البيت الذي قد يصل للفراق بين عماديه الأم والأب بالتخلص من أخطاء أحدهما ورميها على الآخر؛ إما بأنه مرتكب الخطأ، أو مسبب الخطأ.. ويتعدى ذلك إلى كل مسؤول في دائرة مسؤوليته بالتدرج الهرمي، عندما لا يملكون الجرأة الأدبية والوطنية والإنسانية بالاعتراف بالخطأ.. وبالقياس أرى أن كلما كان أفراد الأمة في مختلف مقاماتهم وطبقاتهم لديهم القدرة والشجاعة للاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليته كانت الأمة أكثر تقدما.. والعكس صحيح تماما.
التبرير ثم التبرير
أكثر ما يطفو في ذاكرتي الآن هو مسألة كوارث العبّارات التي زهقت بها مئات الأرواح في البحر الأحمر، فبينما كان الناس يغوصون في الدم وأقرباؤهم ينزرعون على أشواك الآلام يبادر المسؤولون بلمح البصر إلى رمي الخطأ على قبطان العبارة وأنه سبب الكارثة، فترى الهم الفظيع هنا الذي يجر الأمة إلى التخلف هو أن التفكير بلحظة الكارثة الإنسانية عند المسؤولين في القطاع ليست الأرواح التي ماتت بفظاعة الغرق، ولا آلام الناس، وكأنهم ينفصلون عن الواقع بلحظاته بمشهد المئات الذين ماتوا وربما بقية ما زالوا يموتون. وتبدأ اجتماعات فورية وعصبية ارتدادية للبحث عن المبررات أولا، وكأن الناس جاهزون وأغلى الأنفس تموت أمامهم لسماع المبررات! فلا الوقت صحيح، ولا الوضع مناسب، ولكنها هذه الحاسة الغبية العمياء بالانسحاب والتنصل من الخطأ والبحث عن مشجب أو ضحية ثم يبدأون يتكلمون وكأن الوعي الإنساني عاد إليهم، والحقيقة أنهم لم يكونوا إنسانيين من البداية إلى النهاية. فلا يتقدم القطاع، ولا شروط الفحص التقني الجاد على العبارات، ولا عدد المسموح به للركوب فيها. أعطيتكم أشد الأشياء وضوحا، وهي أخطاء تحدث هناك وهنا، فعند أي حادثة كبرى يخرج المسؤول أو من يمثله ليرمي المسؤولية على أي شيء إلا هو، ويتناسى أنه المسؤول الأول.. فكل ما تحته مسؤول عنه بلا تبرير واحد. لذا تجد اليابان متقدمة لأن المسؤول الأول حتى ولو كان قد عمل كل ما يجب عمله، وحدث أمر كارثي، يكون هو أول من يخرج ويعلن مسؤوليته وربما أخذته فورة مشاعر المسؤولية وطعن نفسه بسكين في بطنه.. وهذا ما لا نريده طبعا لبطون بعض مسؤولينا.
الخوف من الفشل
هناك أمور نفسانية تجري في سلوكنا الواعي وتنعطف على ممرات عصبية وصولا للعقل الواعي الذي يشكل السلوك الظاهر. أظهرت دراسات وبحوث سيكولوجية أن الذين يخافون من الفشل، من شدة خوفهم، يضعون أهدافا وهمية، أو غير مقاسة، أو غير ملموسة حتى يتجنبوا اللوم وإشارة الأصابع باتهامهم بأنهم مخطئون. والمشكلة الرئيسة في هذا الطيف من الناس أنهم لا يعلمون أنهم اختاروا طريق الخطأ.. من البداية.
أول العلاج
والحل والدواء يبقى دوما وأبدا هذا الأمر الصعب والسهل، وهو الاعتراف بالخطأ.