توقعات بتراجع أسعار خام الحديد إلى 45 دولارا للطن عالميا
أجمعت توقعات مختصين غربيين، على تراجع أسعار خام الحديد في الأسواق الدولية إلى حدود 45 دولارا للطن خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعد أن سجلت الأسابيع الستة الماضية، قفزات فلكية في مستوى أسعار خام الحديد في الأسواق الدولية بوصول ثمن الطن إلى 80 دولارا، بزيادة 100 في المائة عما كانت عليه الأسعار بداية العام البالغ 40 دولارا للطن.
وتأتي توقعات المختصين، بعد أن أخذت الأسعار دون مقدمات ابتداء من يوم الثلاثاء الماضي في التراجع ووصل سعر الطن حاليا أكثر قليلا من 72 دولارا.
وهنا أوضح لـ"الاقتصادية" ريتشارد التون؛ المحلل في بورصة لندن والخبير في مجال المضاربة على المعادن، أسباب ارتفاع خام الحديد خلال الأسابيع الماضية، بالقول إن "كبريات الشركات المنتجة مثل BHP Billiton و Rio Tinto حققت معا خلال الأسبوع الماضي 17 مليار دولار أرباحا، وجزء من ذلك يعود إلى التفاؤل المهيمن على الأسواق، نتيجة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بالتوسع في الإنفاق على البنية الأساسية من طرق وكبار ومطارات، وهذا يعني زيادة الطلب على الحديد والصلب ومن ثم زيادة الطلب على خام الحديد".
وأضاف، "لكن هذا التفاؤل يمثل جزءا من المشهد السائد في أسواق المعادن عامة وخام الحديد خاصة، أما العامل الرئيس وراء زيادة الأسعار خلال الفترة الماضية فيعود إلى الطلب الصيني المتزايد على الحديد والصلب، نتيجة توسعها الملموس في الإنفاق على البنية الأساسية والتطوير العقاري، كجزء من جهودها المستمرة لضمان معدل نمو اقتصادي يصل إلى 6.7 في المائة هذا العام، وزيادة الطلب الصيني ترافقت مع خفض الصين للإنتاج المحلي من خام الحديد بنحو 6 في المائة، ما أدى إلى زيادة الواردات خاصة من أستراليا".
مع هذا لا تبدو الأسواق متفائلة تجاه المستقبل، إذ أشار معظم المختصين الذين التقت بهم" الاقتصادية" إلى أن الأسعار ستشهد تراجعا خلال الفترة المقبلة.
وقال لـ"الاقتصادية" فرانك روبرت؛ الخبير الاستشاري في شركة The Expanded Metal Company، إن أسعار خام الحديد ارتفعت بشدة خلال فترة قصيرة، وإن معدل الزيادة السعرية لا يتناسب مع العوامل التي أدت للارتفاع، ومن ثم يتوقع أن تقوم الأسواق بتعديل وضعها في اتجاه منحنيات الهبوط خلال الفترة المقبلة.
وأضاف، " نلاحظ أن قوة الدفع التي تواصلت لنحو 6 أسابيع تراجعت خلال اليومين الماضيين، فخام الحديد الأسترالي تراجع بنحو 6.5 في المائة وانخفض إلى 72.68 دولار أمريكي للطن، وذلك بعد زيادة قدرت خلال شهر نوفمبر بـ 24 في المائة".
واعتقد فرانك، أن فترة الازدهار نتيجة الطلب الصيني الكبير على خام الحديد قد ولت، فالصين من وجهة نظره تعد المحفز الرئيسي للطلب في الأسواق، لكن الآن لديها مخزون يقدر بنحو 108 ملايين طن ، وهذا أعلى احتياطي لديها منذ عامين، كما أن الاندفاع الذي شهده القطاع العقاري الصيني خلال الفترة الماضية سيتراجع خلال العام المقبل. ووفقا لفرانك، فإن النمو الكبير في القطاع العقاري الصيني أسهم في زيادة الطلب على الحديد والصلب ومن ثم خام الحديد، لكن هذا سيكون أقل حدة خلال العام المقبل، لأن الحكومة الصينية لا تريد المزيد من التوسع في القطاع العقاري حتى لا تنهار أسعار العقارات محليا".
ورأى بعض المختصين أن ارتفاع الأسعار خلال عام 2016 ، أدى إلى جذب العديد من الشركات الصغيرة في أستراليا والبرازيل إلى السوق، وهو ما أثر في حجم المعروض بالزيادة، وسط توقعات بأن يستمر هذا الاتجاه في الأجل القصير والمتوسط، ومن ثم فإن تراجع الإنتاج الصيني لن يؤدي إلى زيادة الأسعار لأن هناك حالة من الإفراط في الإنتاج العالمي من خام الحديد وتخمة في المعروض جراء الإنتاج البرازيل والأسترالي.
وهنا توقع جون تشاتر من شركة HYDRAM للمعادن، أن تؤدي زيادة المعروض إلى انخفاض الأسعار إلى حدود 45 دولارا للطن خلال الأشهر المقبلة.
وحول قرار شركة Rio Tinto بتعليق الإنتاج في واحد من أكبر مناجم خام الحديد في أستراليا خلال فترة أعياد الميلاد (لمدة أسبوعين) ، في ظل القلق المتنامي لدى الشركات الأسترالية من الاقتراحات البرلمانية بزيادة الضرائب، قال تشاتر إن تلك الخطوة تعد الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2008، ومع هذا سيظل تأثيرها محدودا ومؤقتا، ولن يحول دون تراجع الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
واستدرك قائلا " سينخفض إنتاج الصين من الصلب الخام من 750 مليون طن إلى 800 مليون بحلول عام 2020، وسيتراجع الاستهلاك في ذلك الوقت إلى ما يراوح بين 650 و 700 مليون طن، هذا في الوقت الذي بلغ فيه الاستهلاك عام 2015 ما يقارب 700 مليون طن".
ويتشكك أغلب المختصين في أن يدفع انخفاض الطلب أو الإنتاج الصيني من الحديد والصلب أو حتى خام الحديد إلى تحول الأسعار في اتجاه الزيادة، فبكين لديها احتياطي ضخم في الوقت الحالي يمكنها من أن تسحب منه لفترة طويلة مقبلة دون أن تطلب المزيد من خام الحديد من الأسواق الدولية، كما أن الشركات المختلفة تواصل الإنتاج بذات المعدلات السابقة، ومن ثم سيتواصل الإنتاج العالمي من الخام بمعدلات كبيرة في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب الصيني.
لكن هل يمكن أن تعوض الزيادة المتوقعة في الاستهلاك من قبل الاقتصاد الأمريكي، نتيجة خطة الرئيس ترمب في زيادة الإنفاق على البنية الأساسية، الانخفاض المحتمل في الطلب الصيني على خام الحديد؟ بيد أن المحلل الاقتصادي وليم والتر استبعد ذلك، وقال لـ"الاقتصادية" إن "الرئيس الأمريكي الجديد أو مستشارية الاقتصاديين لم يفصحوا بعد عن أي تفاصيل بشأن خطتهم لزيادة الإنفاق على البنية الأساسية، والمدى الزمني لها، أو أجمالي المبالغ المالية التي سترصد لها، ومن ثم تأثير تعهدات ترمب في الأسواق لا تزال نفسية أكثر منها مادية وملموسة، كما أنه لا يتوقع تفعيل تلك الخطة قبل منتصف العام المقبل، ومن ثم إذا كان لها تأثير واقعي فسنشهده في النصف الثاني أو حتى الربع الأخير من عام 2017".
واعتقد المراقبون، أن الضغوط التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على الصين، لوقف ما يعتبره المسؤولون في الاتحاد إغراقا من قبل الصين للأسواق الأوروبية بالحديد الصلب الرخيص الثمن، سينعكس سلبا على أسعار خام الحديد.
وأوضح لـ"الاقتصادية" مارتن توماس الباحث في الاتحاد الاوروبي، أن "الاتحاد الأوروبي اتخذ منهجا جديدا لمكافحة سياسة الإغراق الصينية، عبر زيادة الرسوم الجمركية، مبينا أن الدولة الصينية لها تأثير ملحوظ في إنتاج الحديد والصلب في البلاد، وقد فرض الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية تراوح بين 43.5 و81.1 في المائة على الواردات الصينية من الأنابيب والأنابيب غير الملحومة، وهذا لا شك سيدفع بالصين إلى خفض صادراتها للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيراكم المخزون لديها.