اللجان القضائية إلى أين؟
وصل عدد اللجان شبه القضائية لدينا إلى أكثر من 100 لجنة، غالبية هذه اللجان مستقلة عن القضاءين العام والإداري ولا تخضع حتى إلى استئنافه ولا إلى المحاكم العليا فيهما، وبعضها لا يخضع بشكل كامل حتى إلى نظام المرافعات الشرعية، النظام الإجرائي الذي ينظم أصول المرافعات في المحاكم، فهل هذه الحالة صحية؟ والسؤال الأهم لماذا اضطررنا لها؟ وما الحل؟
أما التساؤل الأول عن صحة الوضع؛ الحقيقة إن وجود اللجان شبه القضائية قائم حتى في الدول المتقدمة، خاصة في بعض التخصصات المعقدة التي تحتاج إلى مهارات معينة تختلف عن الحاجة التقليدية لتأهيل القضاة والمحاكم، ولكن هل هذا مماثل لما يحصل لدينا؟ الجواب بالتأكيد لا. حيث إن القضاء المالي بأكمله لا يخضع للمحاكم التقليدية، إضافة إلى القضاء العمالي حتى الآن، الأمر الذي لا يحصل غالبا.
أساس المشكلة لدينا هو وجود مدرستين متنافستين في الميدان؛ هما المدرسة القانونية ومدرسة الشرعيين، وهي تبدأ أساسا من صفوف الدراسة في الجامعات بين كليات الشريعة وكليات القانون المتصارعتين.
والسؤال الآن هو لماذا اضطررنا لهذا الوضع؟ هناك عدد من الأسباب المعقدة حول الموضوع، ولكن السبب الجوهري هو الموقف القديم الرافض للقانون والتقنين، حيث إن المجالات الحساسة ذات التأثير المالي والاقتصادي في الدولة تحتاج إلى تأهيل مختلف تماما عن التأهيل المعتمد في القضاء التقليدي لدينا كونها لا تشترط التأهيل القانوني، إضافة إلى عدم اعتمادها على آليات محددة لانضباط الحكم القضائي، الأمر الذي لا يتحمله القطاع المالي الحساس جدا، ولعدم تحمل القطاع المالي الحساس للتذبذب وعدم الوضوح في حكم الموضوع، إضافة إلى تأثير ذلك في اختلاف الأحكام وعدم استقرار المبادئ.
نأتي للسؤال الثالث؛ ما الحل؟ هل الحل في ضم هذه اللجان إلى القضاء العام؟
الحقيقة إنني متخوف جدا من مثل هذه الخطوات (حتى في تحول القضاء التجاري إلى القضاء العام فضلا عن اللجان)؛ قبل الإصلاح التشريعي للقضاء والتأهيلي للقضاة، وسبق أن كتبت في هذا الموضوع تحديدا، الأمر الذي يجب أن يخضع للاختبار لعدة سنوات، ومن ثمّ يمكن التأكد من سلامة الإجراء. أما قبل الإصلاح وتغير الوضع الحالي فإنني أحذر جدا من مثل هذه الخطوة التي قد يترتب عليها كثير من المشكلات والمخاطر. وكلي أمل وتفاؤل في قدرة الكفاءات الحالية في القضاء لأجل تهيئة القضاء وتحديثه بشكل يتواكب مع الحاجة والعصر - بإذن الله.