خطيب الحرم المكي: الإهمال يؤدي إلى تفكك المجتمع ثم السقوط
قال الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام، إن من أهم سمات المجتمع الناجح المتكامل أن يكون بنيانه متماسكا، تجمعه لبنات مرصوصة تمثل حقيقة أفراده وبنيه، لا تختلف فيه لبنة عن أخرى، ولا فرق فيها بين ما يكون منها أسفل البناء أو أعلاه؛ لأن البناء لن يكون راسيا يسند بعضه بعضا إلا بهذا المجموع، ومتى كان التصدع أو الإهمال لأي لبنة من لبناته فإنه التفكك والانفطار ما منه بد، فضلا عن أن هذا بداية تساقطه شيئا فشيئا، وهذه حال كل مجتمع وواقعه.
وبين في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، في المسجد الحرام، أنه إذا لم يكن المجتمع بهذه الصورة فإنه يأذن لنفسه بالنفرة والتفرق، ويمهد الطريق لمعاول الأنانية والأثرة وعدم الاكتراث بالآخرين، وما قيمة مجتمع الهدم فيه أكثر من البناء، وإنه مهما بلغت الدول من العظمة والثروات والتقدم الاقتصادي فلن يكون ذلكم وحده كافيا في تلبية جميع رغبات أفرادها، وتحقق جميع تطلعاتهم لحظة الاحتياج، فضلا عن تحقيقها على الدوام.
وأضاف الدكتور الشريم: يأتي هنا دور المجتمع المترابط المتماسك، حينما تذكى بين جنباته روح العمل التطوعي الذي يعد ركنا أساسا من أركان رأب صدع الشعوب المادي، والاجتماعي، والغذائي، والأمني، والفكري، وغير ذلكم من الضرورات والحاجيات والتحسينات.
وقال إنه حينما يعم العمل التطوعي جنبات المجتمع، ويفرض نفسه شعورا ساميا لذويه وبني مجتمعه ليقضين على الأثرة والشح والاحتكار والمسكنة، شريطة ألا تغتال صفاءه أبعاد مصلحية أو حزبية أو إقليمية، وليس هناك حد لمن يحق له أن يستفيد من العمل التطوعي.
وأفاد بأن العمل التطوعي لا يحد بحد، ولا ينتهي بزمن، وامتداد حده بامتداد طبيعته؛ فكل عمل احتسابي لا نظرة فيه للأجرة والمنة فهو تطوعي إذا كان في وجه خير، وهو ممتد ومتسع بامتداد واتساع كلمة "خير"، وهو هنا يختلف بعض الشيء عن العمل الخيري؛ لأن العمل التطوعي يكون بالمبادرة قبل الطلب، بخلاف العمل الخيري؛ فإنه – في الغالب – لا يكون إلا بعد الطلب، وكلا العملين وجهان لعملة واحدة، محصلتهما: بذل المعروف للناس دون أجرة أو منة، وإنما احتسابا لما عند الله.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام، أن كل عاقل يدرك أن قيمة المجتمعات في نهوضها والحفاظ على نفسها من التهالك والتصدع، ويدرك أن العمل التطوعي مطلب منشود في جميع الشرائع السماوية والوضعية في الإسلام وقبل الإسلام وهو علامة بارزة على صفاء معدن صاحبه ونخوته وعاطفته ولطفه؛ لأن هذه صفات من خلقهم الله حنفاء ولم تجتلهم شياطين الأنانية وحب الذات.
وأوضح أن الحث على البر والتعاون عليه، وتلمس احتياجات الناس هو سعة الإسلام وسماحته ورحمته، والعمل التطوعي إنما هو ترجمان لصورة من صور الإسلام الراشدة الخالدة التي تتصف بالشمولية وتنوع مجالات العمل التطوعي، لتشمل الأهداف التنموية؛ ففي المجال الاقتصادي يمثل العمل التطوعي الاهتمام الدقيق من خلال بذل الأوقاف وتفعيل الوعي للأنشطة الوقفية؛ لأن لها أثرا بالغا في تنمية الاقتصاد؛ حيث تتسع الحركة المالية مع حفظ الأصول المثمرة من الاندثار.
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: مثل ذلك يكون في المجال الفكري، والاجتماعي، والدعوي، وما شابه، شريطة أن يخرج عن إطار الرتابة والبرود إلى دائرة المواكبة، ومسابقة الزمن، واستقطاب الكفاءات، وإنشاء مكاتب الدراسات والبحوث التي تعنى بحاجات المجتمع وحلولها، وتطرح الدراسات العلاجية والوقائية من خلال توعية المجتمع بقيمة العمل التطوعي، وأثره في التقارب الاجتماعي المعيشي، والإحساس الديني، ولو نظرنا نظرة خاطفة إلى مجال واحد من مجالات العمل التطوعي، وهو: سد العوزة والفقر، وإكساب المعدومين؛ لوجدنا أن الذي ينفقه الموسرون على الترفه والتحسينات ربما سد حاجات فقراء بلدة بأكلمها".
وقال "ولو نظرنا إلى تكلفة فرح من أفراح الأغنياء لأدركنا أن نصفها لو كان لإطعام يتيم ذي مقربة، أو مسكين ذي متربة لكان في ذلك من البركة للزوجين، وجبر كسر قلوب الفقراء، واتقاء للعين والحسد، والعقوبة على السرف والبذخ".
ورأى الدكتور سعود الشريم أن كل مؤمن غيور على أمته لتستوقفه ظاهرة العمل التطوعي في هذه الآونة؛ حيث باتت من أبرز الظواهر الإنسانية العالمية، فقد بلغت في ديار غير المسلمين مبلغا عظيما، محاطا بالدقة والإتقان، والتفاني، وروح الرجل الواحد، في حين أنه ليستوقف المسلم المراقب ما يقارنه بين العمل التطوعي في الغرب وما وصل إليه، وبين العمل التطوعي في بلاد الإسلام، وما يعانيه من نقص في المفهوم الحقيقي له، والإعداد المتقن، ونسبة التأخر والتراجع عما هو عليه المفهوم عند الآخرين.
وشدد على ضرورة أن تسبق العمل التطوعي تهيئة نفسية، ودينية، واجتماعية لفهم هذا العمل الجليل، ولا تكون النماذج للعمل التطوعي في بعض المجتمعات المسلمة على صورة عمل إجباري، أو واجب لا يمكن التراجع عنه؛ لأن العمل التطوعي يتطلب قدرة فائقة على العطاء دون منة، أو ترقب أجرة؛ بل إن مبعثه الحب والعطف، والإحسان الذي لا يكترث بماهية الرد، وإنما يحرص على رضا الضمير وخلوه من التقصير، والخذلان تجاه مجتمعه.
وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام أن المجتمع الناجح الكريم البار هو من لا ينتظر أحدا يقول له أعطني؛ لأن يده تسبق سمعه، وفعله يغني عن قوله، مضيفا "ما أحوجنا جميعا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الحروب والكروب والمدلهمات، وطالت نيرانها إخوة لنا في الدين، سقوفهم قد وكفت، وجدرانهم قد نزت، لا تكاد تمنع عنهم بردا ولا بللا، في سورية، وفي بورما، وفي غيرهما من بلاد المسلمين ما يستدعي شحذ الهمم، وإذكاء العمل التطوعي بكل وجوهه وصوره، وعلى رأسها شريان الحياة الذي هو المال".
وفي المدنية المنورة تحدث الشيخ عبد الباري الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة أمس، عن سنة الحياة وتقلباتها وتغير أحوالها ما بين فرح وحزن غنى وفقر صحة ومرض.
وقال في خطبة الجمعة في المسجد النبوي أمس، إن التغير سنة الحياة التي لا ثابت فيها صحة ومرض، ارتفاع وانخفاض، عز وذل، جوع وشبع، فقر وغنى، زواج وطلاق، أمن وخوف، حزن وفرح، وتقلبات اقتصادية، هذه المتغيرات سنة الحياة التي لا مفر منها ونقرأها في أحداث التاريخ على مدى العصور.
وأوضح أنه عندما تتغير الحياة على نحو سلبي تستدعي النفس الهزيل مشاعر الحزن والألم والتشاؤم التي تضعف همتها وتقعدها عن السير في الحياة بجد ونشاط، فمن أصول عقيدة المسلم الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره واليقين بأن الأمر والتدبير لله عز وجل وأن تغيرات الحياة شأن رباني لا يحيط به البشر.