2016 .. «أوبك» تخطف الأضواء وتحولات جوهرية في سوق الطاقة

2016 .. «أوبك» تخطف الأضواء وتحولات جوهرية في سوق الطاقة
السعودية لعبت دورا كبيرا في إنجاح اتفاق "أوبك" والمستقلين في فيينا الشهر الماضى.

يعتبر عام 2016 من الأعوام المهمة والرئيسية في تاريخ سوق النفط نظرا لما شهده من العديد من الأحداث المهمة والمتغيرات الكبيرة التي أثرت على الصناعة وستؤثر فيها في الأعوام المقبلة، حيث تضمن كثيرا من التحولات القوية في مواقف المنتجين وفي سياسات الطاقة وفي معدلات النمو وتفاعلات المستهلكين، ما جعل كثيرين يؤكدون أن سوق الطاقة في العالم شهد تحولات جوهرية ومرحلة انتقالية مهمة تبلورت في عام 2016.
وشهد هذا العام نقلة نوعية في سوق النفط، حيث استطاعت "أوبك" بأن تؤثر في معظم المنتجين في السوق وحثهم على التعاون من أجل دعم الأسعار بعد أكثر من عامين على تدني أسعار النفط بشكل قوي، وقامت أوبك بهذا الإنجاز بقيادة السعودية وكبار المنتجين المستقلين مثل روسيا، ما جعل الدول تتفق على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل على الصعيد اليومي لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية.
وعلى هذا الأساس، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد لتستقر فوق مستوى 50 دولارا بعدما كانت تصل في بداية العام الحالي 2016 إلى 27.10 دولار للبرميل بدعم من تحركات أوبك خلال هذا العام، مع ذلك، فإن 2016 شهد عديدا من الأحداث المهمة في سوق النفط وعلى رأسها، تضرر عديد من ميزانيات الدول المنتجة وخاصة فنزويلا والجزائر، كذلك تضررت شركات النفط الكبرى، خصوصا الأمريكية التي تعمل على استخراج وتنقيب النفط الصخري، الأمر الذي دفع بعضها على الإفلاس.
وكانت أسعار النفط قد سجلت أقصى مستويات الانخفاض في بداية عام 2016 حيث سجل سعر البرميل وقتها 27 دولارا بخسارة نحو 80 في المائة، مقارنة بمنتصف 2014 حين بدأ انهيار الأسعار، وكان ذلك نتيجة تفاقم حالة تخمة المعروض وزيادة حد التسابق الإنتاجى وحرق الأسعار بين كبار المنتجين، وكان هناك حالة من الإصرار على رفض أي تقييد في المعروض النفطى المتضخم بسبب الصراع القوي والمشتعل بين المنتجين على الحصص السوقية.
وأسهم في تفاقم تخمة المعروض في يناير 2016 بدء رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران، التي أسهمت في تقليص إنتاجها وأدى تطبيق الاتفاق الدولي في هذا الشأن إلى تسارع جهود طهران لزيادة صادراتها على نحو كبير بهدف استعادة حصصها السوقية السابقة قبل فرض العقوبات حيث وضعت لنفسها هدفا رئيسيا وهو الوصول إلى مستوى أربعة ملايين برميل يوميا.
من جهة أخرى، شهد النفط الصخري الأمريكي تراجعات حادة في عام 2016 حيث انخفضت المنصات من نحو 1100 منصة بحجم إنتاج بلغ 4.8 مليون برميل يوميا في عام 2014 إلى أدنى مستوياتها في مايو 2016 حيث سجلت نحو 300 منصة إلا أنها مع تعافي الأسعار خاصة في النصف الثاني من 2016 ارتفعت بنهاية العام إلى نحو 550 منصة كما ارتفعت مستويات الكفاءة وزيادة التكنولوجيا التي خفضت نقطة التعادل في بعض حقول النفط الصخري إلى مستوى 40 دولارا للبرميل.
وتفاقمت أزمة الاستثمارات النفطية في عام 2016 بسبب تهاوي الأسعار وازدادت حالات تأجيل وتجميد المشروعات إلى المستوى المقلق على مستقبل الإمدادات النفطية وبحسب تقديرات "أوبك" شهدت الاستثمارات النفطية تراجعا بنحو 22 في المائة، وبلغت خسائر الاستثمارات على مدى العامين الماضيين 300 مليار دولار.
وشهد شهر نيسان (أبريل) من عام 2016 بداية اتصالات المنتجين في الدوحة للتوافق على خطط لضبط المعروض إما بالتجميد أو خفض الإنتاج وبدأت نواة الاتصالات بالسعودية وروسيا وقطر وفنزويلا، الذين حققوا توافقا كبيرا في هذا الملف إلا أن الجميع كانوا على قناعة بضروة التزام كل المنتجين بتجميد الإنتاج على الأقل وهو ما اصطدم بالعقبة الإيرانية التي كانت تصر على تجاهل هذه الاجتماعات ورفض أي فكرة لتقييد الإنتاج حتى تستعيد مستوى أربعة ملايين برميل يوميا كصادرات نفطية.
وأعقب هذه الاجتماعات اجتماعات أخرى مماثلة في الدوحة وتركيا وأخفقت جميعا في تحقيق أي تقدم في هذا الملف بسبب اشتراط كبار المنتجين ضرورة المشاركة الجماعية في خفض الإنتاج. كما لم يجئ الاجتماع الوزاري لمنظمة "أوبك" في 2 حزيران (يونيو) 2016 بأي جديد في ملف تقييد الإنتاج بسبب الموقف الإيراني المتعنت حتى إن المنظمة تجاهلت في ختام الاجتماع - على خلاف ما اعتادت عليه سابقا – تحديد أي سقف لمستوى إنتاج دول المنظمة خاصة السقف التقليدي وهو 30 مليون برميل يوميا، الذي تم العمل به على مدار أكثر من عشر سنوات متتالية.
وفيما يتعلق بأبرز الأحداث الاقتصادية في 2016، فقد شهد بداية العام تصديق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قرار الكونجرس برفع الحظر المفروض منذ عام 1975 على صادرات النفط من الولايات المتحدة وهو ما اعتبرته الأوساط الاقتصادية تحولا غير مسبوق في استراتيجية الطاقة الأمريكية.
وترجع خلفيات القرار إلى تزايد الضغوطات على الحكومة الأمريكية في العام الماضي لرفع حظر التصدير، وذلك بعد زيادة الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة بفضل تكنولوجيا جديدة في الحفر، التي سمحت بالتنقيب في التربة الصخرية، ما دفع الإنتاج والمخزون الأمريكي إلى مستويات قياسية.
وجاء اتفاق الجزائر في 28 أيلول (سبتمبر) ليشكل علامة فارقة في تاريخ أسواق الطاقة، حيث تم التوصل إلى أول اتفاقية لخفض إنتاج دول منظمة أوبك منذ ثماني سنوات، حيث ظهرت أول بارقة أمل في حل خلافات المنتجين بالاتفاق على خفض الإنتاج في أوبك إلى مستوى 3.52 مليون برميل يوميا دون تحديد حصة كل منتج.
وأعاد الاتفاق الحيوية إلى الأسواق وقاد إلى ارتفاعات سعرية بعدما فؤجئ السوق بعقد اجتماع وزاري غير عادي رقم 170 لوزراء أوبك في الجزائر على هامش أعمال الاجتماع الوزاري الـ15 لمنتدى الطاقة العالمي.
وعقب ذلك بدأت التكهنات تزداد في السوق حول آلية تطبيق هذا الخفض وتوزيع الحصص بين المنتجين واتجهت الأسعار إلى التعافي بشكل جيد إلى مستوى 50 دولارا للبرميل.
ونجح الاجتماع الوزاري رقم 171 لمنظمة أوبك في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 في وضع النقاط على الحروف وإنهاء الجدل والتشكك في نجاح خطة خفض الإنتاج حيث توصل المنتجون إلى آلية ناجحة لتطبيق اتفاق الجزائر وأعلنوا عن خفض إنتاج دول المنظمة بنحو 1.2 مليون برميل يوميا مع تحديد حصص كل دول منتجة، حيث تحملت السعودية خفضا بقيمة 486 مليون برميل يوميا، والعراق بنحو 210 ملايين برميل يوميا، إلى جانب حصص مرتفعة أخرى لدول الخليج فيما تم استثناء نيجيريا وليبيا بسبب التوترات في البلدين وتجميد عضوية إندونيسيا لكونها دولة مستوردة للنفط الخام، فيما سمح لإيران بزيادة طفيفة تقدر بـ90 ألف برميل يوميا.
وأنهى الاتفاق خلافا طويلا داخل أوبك تسبب في إجهاض نجاح كثير من الاجتماعات السابقة التي أخفقت حتى في الإشارة إلى مستوى جديد لسقف الإنتاج.
واتجهت الأنظار عقب ذلك إلى موقف المنتجين المستقلين ومدى انخراطهم في هذا الاتفاق الجديد لخفض الإنتاج، ورغم حالة التشكك في السوق إلا أن التقارب والتنسيق السعودي الروسي أعطى مؤشرات جيدة عن الخطوة اللاحقة الداعمة لمنظومة عمل المنتجين الشاملة والمتكاملة.
وبالفعل تم استكمال خطوات النجاح وبعد مفاوضات مثمرة تم التوصل في فيينا في 10 من الشهر الجاري إلى أول اتفاقية مشتركة بين منظمة أوبك والمنتجين المستقلين لخفض الإنتاج حيث تم التوافق على مشاركة 11 دولة من خارج أوبك في خطة خفض الإنتاج بحجم إنتاج 558 مليون برميل يوميا تتحمل منها روسيا وحدها 300 ألف برميل يوميا تليها المكسيك 100 ألف برميل والباقى موزع على بقية المنتجين التسعة وأبرزها كازاخستان والبحرين وسلطنة عمان وجنوب السودان.
وتنص الاتفاقية على بدء خفض الإنتاج ببداية عام 2017 وتستمر مدة الاتفاقية ستة أشهر قابلة للتجديد وتتولى لجنة وزارية مكونة من خمس دول هي الكويت وروسيا والجزائر وفنزويلا وسلطنة عمان مهمة مراقبة تنفيذ الاتفاق والتحقق من جدية التطبيق ومدى تعاون جميع الدول المشاركة.
وقد شهد عام 2016 ولأول مرة في تاريخ أوبك إطلاق تقريرها السنوي عن آفاق سوق النفط الخام خارج مقر المنظمة في فيينا حيث تم إطلاق التقرير في الشهر الماضي في أبوظبي ضمن فاعليات مؤتمر ومعرض أبوظبي للنفط "أديبيك"، وذلك في إطار انفتاح سياسات وبرامج العمل في أوبك ولتوثيق العلاقات على مستوى الدول الأعضاء.
ويتطلع السوق إلى نتائج الاتفاقية الجديدة في عام 2017 وسط آمال واسعة في تعافي أسعار النفط الخام وتحقق تعافي وتوازن الأسواق من خلال النجاح في امتصاص فائض المعروض والمخزونات وتحقيق التوازن المنشود بين العرض والطلب، ما يدفع إلى رواج الاستثمارات وبالتالي تأمين الإمدادات المستقبلية من الطاقة.

الأكثر قراءة