الاستراتيجية الكبرى بين المفهوم والتطبيق
إن مفهوم الاستراتيجية مفهوم قديم وعريق، ومع حدوث التطورات في مفاهيم الإدارة الاستراتيجية، أخذ مفهوم الاستراتيجية منحنى جديدا، في الغرب اشتقت الاستراتيجية من الكلمة الإغريقية strategos التي تبلورت أثناء الإصلاحات الديمقراطية، بالإشارة إلى الوحدات العسكرية والسياسية التي كونت مجلس الحرب، وهكذا فإن التعرف واكتشاف مبادئ مشابهة في كتابات الاستراتيجيين تشير إلى أن تاريخ الاستراتيجية أقدم من الناحيتين العسكرية والسياسية منه في الأعمال والاقتصاد.
تشكل المنهجية الطريق إلى الوصول إلى نتيجة ما أو إثبات شيء، وتختلف بطبيعة اختلاف العلم ونوعه، فالعلوم التجريبية، اختلفت منهجياتها عن العلوم النظرية، ومن هنا بدأت تغير أدوات القياس لشتى العلوم بما تقتضيه طبيعتها.
ومع اختلاف المنهجيات والطرق تختلف الأدوات، على الرغم من التشابه والتداخل الذي هو من طبيعة العلوم، ومن هنا أتت الرغبة في التحقق من معرفة الكيف والماهية، في فهم المنهجية الاستراتيجية. ونطرح سؤالا: هل للعلوم الاستراتيجية بطبيعتها المتداخلة بين العلوم منهج خاص لدراستها أو لتطبيقها؟
ينظر المتأمل إلى الفكر الاستراتيجي كأحد مجالات العلوم المتداخلة مع بعضها بعضا، ولكي نسبر أغوار ذلك الحقل الماتع والثري، ينبغي لنا طرح عدد من التساؤلات وتفكيك عدد من المسائل بداية بموضوع التطور، والفكر، والاستراتيجية.
إن دور الاستراتيجية الكبرى في تنسيق وتوجيه جميع الموارد للأمة من أجل تحقيق الهدف السياسي للحرب ـــ الهدف المحدد من قبل السياسة الأساسية.
يتعين على الاستراتيجية الكبرى حساب وتطوير الموارد الاقتصادية من أجل الحفاظ على الخدمات. أيضا الموارد الأخلاقية ـــ لتعزيز روح الشعب غالبا لا تقل أهمية عن امتلاك أكثر الأشكال الملموسة من السلطة. وهي استراتيجية كبرى، أيضا، يجب أن تنظم توزيع السلطة بين عديد من الخدمات، وبين الخدمات والصناعة.
وعلاوة على ذلك، فإن آفاقا استراتيجية تمنعها من الحرب، وتبدو استراتيجية كبرى إلى السلام لاحقا.
تقوم عملية التخطيط الاستراتيجي على اعتقاد بأن المنظمات ينبغي أن تتابع الأحداث والاتجاهات الداخلية والخارجية بصفة مستمرة حتى يمكن إجراء التعديلات المطلوبة في الوقت الملائم. إن معدل التغييرات التي تؤثر في المنظمات يزداد حجمه بشكل متزايد.
ولنأخذ على سبيل المثال برامج الكمبيوتر والتجارة عبر الإنترنت والطب بالليزر والأسلحة بالليزر وتقدم متوسط عمر البشر واندفاع المنظمات نحو الاندماج. ولكي تبقى المنظمات على قيد الحياة لا بد أن تكون قادرة على التعرف على التغيير والتأقلم معه.
لقد ترتب على التدفق السريع للمعلومات تآكل الحدود القومية وأصبح العالم كله منفتحا على بعضه البعض وأصبح الناس يسافرون للخارج بمعدلات أعلى (عشرة ملايين ياباني يسافرون للخارج سنويا). كما كثر عدد المهاجرين الألمان إلى إنجلترا والمكسيكيين إلى الولايات المتحدة، وأصبحت المنظمات في كل دول العالم تواجه منافسة في صناعات كثيرة. لقد أصبحنا عالما بلا حدود يسكنه مواطنون عالميون وفيه منافسون عالميون ومستهلكون عالميون وموردون عالميون وموزعون عالميون ومؤسسات مالية عالمية.
كان الإنسان وما زال يستخدم شتى أنواع الاستراتيجيات حتى دون أن يعلم، ولهذا علاقة بتكوينه الطبيعي، في وجود العقل وملكة التفكير التي منحها إياه الخالق. وفي الزمان الأول، كانت أهداف الإنسان محدودة في الحفاظ على الحياة، وتجنب الموت، والحصول على الغذاء والطعام وتأمين المأوى والمسكن والتزاوج. فكانت غالبية الاستراتيجية تعتمد على تلك الاحتياجات ومدفوعة لتحقيقها.
وكما تشير "موسوعة الاستراتيجيا" إلى أن هناك جدلية ما بين الغايات والوسائل، أي أن هنالك علاقة بين الاستراتيجية وعلم التنسيق Praxeologie - الاستراتيجية هي العلم إن اخترنا التركيز على المعرفة وعلى الطريقة أو هي الفن إن فضلنا التجربة في العمل الإنساني الهادف، والإرادي، والصعب. وهي تركز على إضفاء "سمة واعية ومحسوبة للقرارات التي بواسطتها نريد تغليب سياسة ما" بحسب بوفر Beaufre وكلمة سياسة هنا يجب أن تفهم بمعناها الأكثر اتساعا. إذا، فالاستراتيجية هي في صميم العلم العملي أو علم العمل، الذي أشار الجنرال بوفر إلى ضرورته الملحة، كما أوردت ذلك "موسوعة الاستراتيجيا".