مقارنة بين الرأسمالية والاجتهادات الفقهية المعاصرة

من أهم الأصول التي جاء بها الإسلام وفي مرحلة مبكرة؛ محاربة أكل أموال الناس بالباطل، فحرم تطفيف المكاييل والموازين، وحرم أخذ أموال الناس بالباطل، وجعل للأموال حرمة لا تؤخذ إلا بالحق. كما أن من أصول الإسلام تحريم استغلال الضعفاء لأجل الأقوياء؛ فمنع الرِّبا الذي يكون غالبا حِمْلا ثقيلا على الفقراء.
لكن السؤال الآن؛ هل النموذج الذي يطرحه الفقهاء المعاصرون لما يُسمى "الاقتصاد الإسلامي" يقلل من تضخم الأموال في يد الأثرياء، كما يكررون دائما في نقدهم للنظرية الرأسمالية؟ أم أنها في الحقيقة تسهم في تضخمها؟
الحقيقة أن الضرائب في الدول الرأسمالية تدخل في أغلب الخدمات العامة، بما فيها ضريبة الدخل التي تراوح بين 20-35 في المائة من دخل المواطن القادر "هناك دول قليلة جدا لا ضريبة دخل فيها وتعوضها بضرائب أخرى مثل تينيسي وتاكسس وفلوريدا"، وأنواع عديدة من الضرائب التي تصب في خزانة الدولة لتستخدمها في المنافع العامة، من طرق وأمن ومستشفيات وجيش وهكذا.
لنقارن هذا بالصورة التي يطرحها بعض فقهاء اليوم، حيث يُلحقها بعضهم بالمكوس المحرمة من الشريعة حسب رأيهم، على الرغم من أن أساسها لأجل النفع العام، وإيجاد التوازن بين المواطنين المستفيدين من الخدمات العامة وغير المستفيدين.
السؤال الآن؛ هل النموذج الذي يطرحه هؤلاء أفضل من النموذج الرأسمالي المعاصر، في منع تركز الثروة في يد الأغنياء؟ لنجيب؛ يجب توضيح فلسفة أخذ الضريبة؟ فالحقيقة أنها تؤخذ هناك في مقابل الخدمة التي تقدمها الدولة من أمن وطرق وتنظيم وحماية، وهذه الخدمات هي في حقيقتها جاءت من خلال أموال الدولة التي هي مال عام لجميع المواطنين، وبالتالي فالدولة "ومن خلفها المواطنون" تستحق أن تسترجع جزءا من تكلفة تلك الخدمات التي استفاد منها فرد أو مجموعة أفراد محددين. فهي استرجاع لأموال عموم المواطنين التي استفادت منها مجموعة محددة دون غيرهم في نظر الرأسمالية، وهي كذلك مشاركة من المواطن في بناء دولته، وجزء من تحمله المسؤولية تجاهها، بغض النظر عن بعض الممارسات التي تكون فيها إساءة استخدام المال العام.
نأتي إلى ما يطرحه بعض الفقهاء المعاصرين اليوم؛ حيث تتم حماية أموال التاجر، إلا من زكاة في جزء يسير من الأموال، مقارنة بنموذج الضرائب في الدول المتقدمة، ما يساعد على تضخم ثروة أفراد على حساب البقية، وتزداد الإشكالية مثلا عندما تكون تكلفة القروض المؤسلمة أكثر بكثير من القروض التقليدية كمثال آخر!
الخلاصة؛ أن النظرية التي يقدمها بعض هؤلاء الفقهاء تسهم بشكل جوهري في تركيز الثروة في أيدي الأثرياء بشكل أكثر بمراحل كثيرة عن النظرية الرأسمالية في نظري، وهذا في رأيي يحتاج إلى مراجعة عميقة لتلك الأفكار، التي لا تتواءم مع فكر الدولة الحديثة، ذات التنافسية والعدل والمساواة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي