الهروب من الشفافية دليل الفساد أو الضعف
يخشى الفاسدون دائما من اطلاع الآخرين على أفعالهم وتصرفاتهم، ويحاولون دائما الحفاظ على جميع أوراقهم وأخبارهم لتكون بعيدا عن أعين ورقابة الناس لكونها قد تسهم في كشف فسادهم! وكذلك الفاشلون وعديمو الكفاءة؛ يخشون دائما انكشاف أدائهم أمام أعين الناس فيحاولون الحفاظ على إخفائها تحت أي مبرر!
تحدثت كثيرا عن معايير الحوكمة الحديثة التي تراقب أداء المؤسسات والأجهزة والشركات بشكل فعّال ومتطوّر. الحوكمة اليوم أصبحت معيار النجاعة والنزاهة في العالم، وهذه المعايير تتطور بشكل متسارع سنويا، وكلما ارتفعت معايير الحوكمة في الجهاز اتضحت نزاهته وشفافيته وكفاءته العالية. فكما أن الحوكمة أسلوب عصري لرقابة الجهاز إلا أنه أيضا أسلوب لوضع حوافز ذاتية للمسؤولين بأن يكونوا متيقّظين دائما عندما يذكرون أن أداءهم سيكون مكشوفا أمام الناس مع وجود آليات رقابة صارمة لأي تصرف قد يكون دليل فساد أو إهمال.
نحن المحامين نعاني أحيانا من بعض الجهات التي ترفض تزويدنا ببعض المستندات التي لها علاقة بالقضايا التي نتولاها، وأحيانا حتى في الحصول على القرارات التي تخصها، على الرغم من أن هذا أقل حق ثابت للمستفيد، ومن حق أي مواطن أن يعرف الأصل الذي استند إليه أي تصرف حكومي أو قطاع خاص ضده، وغالبا تكون تلك الجهات التي تصر على منع تزويد المستفيدين بالأوراق التي تخصهم من أضعف الأجهزة كفاءة وأداء، وإلا فإن أبسط قواعد العدالة والحوكمة تزويد صاحب العلاقة بالقرارات التي تتعلق بحقه، وهناك أجهزة رقابية أخرى قد تنظر فيها، وهذا من حق المواطن.
الشفافية لا تقتصر على الأجهزة الحكومية فقط؛ بل حتى الشركات فإنها يجب أن تكون شفافة تجاه عدة جهات، فهي يجب أن تفصح أمام المساهمين ليعرفوا الوضع الخاص في الشركة بكل شفافية ووضوح، كي يقوموا بالإجراء المناسب في وقته، وكذلك تجاه الموظفين فيما يتعلق بحقوقهم ومسؤولياتهم، وكلما ارتكزت الإدارة على العشوائية والتكتم على سياساتها وإجراءاتها؛ فإن ذلك دليل ضعف الكفاءة وأحيانا الرغبة في استخدام السلطة وربما الفساد.
الرغبة في عدم الإفصاح تكون مبررة أحيانا عندما يكون فيه ضرر على الجهاز مثلا، وهذا تراعيه الحوكمة أيضا، ولكن هناك طريقة توفرها الحوكمة تضمن من خلالها عدم استغلال هذا الاستثناء لأجل فساد أو التعمية على تصرفات مخالفة للقانون مثلا، ويكون هذا الاستثناء بالحد الأدنى الذي يعالج الضرر المتوقع فقط. الالتزام بالشفافية يعني أن صاحبه واضح ونزيه، وليس لديه ما يخشاه في تصرفاته، ولذلك كما قلت؛ فإن الجهاز كلما ازداد مستوى الإفصاح والشفافية لديه كان ذلك دليلا على الكفاءة والنزاهة، والعكس صحيح، فغالبا أن الجهاز الذي يتمنّع عن الشفافية ويهرب منها فإنه غالبا ما يكون بكفاءة أقل وربما فساد، إلا في الأجهزة المرتبطة بالجوانب العسكرية أو الأمنية فإن لها وسائل رقابة خاصة بها في العالم كله، والمصلحة تستدعي أحيانا السرية.