كيف فشلت رسوم الأراضي البيضاء؟
في عام 1991 أقرت الحكومة الفلبينية نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، ويهدف النظام إلى القضاء على عمليات المضاربة في الأراضي ومحاولة التخفيف من حجم الأراضي البيضاء المكتنزة، ورفع كفاءة استخدامها لتتحول إلى منتجات نافعة، تضيف قيمة إلى التنمية والاقتصاد، لذلك بدأ النظام بأهداف جيدة وتوجه ممتاز ليعمل للمصلحة العامة، ويوقف ممارسات بعض التجار والسياسيين الذين استغلوا ضعف الرقابة ليقوموا بالاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في أطراف المدن، كما قاموا بطرد المزارعين منها رغبة في تحويل استخدامها إلى أراض سكنية واستثمارية لترتفع قيمتها بشكل أكبر، وبذلك تم تعطيل كثير من الأراضي الزراعية وعانى المزارعون وعائلاتهم العطالة والضياع لأنهم لم يتملكوا هذه الأراضي الزراعية لكنهم كانوا مستأجرين لها، لكن ما الذي جعل سياسة الرسوم على الأراضي البيضاء تفشل في الفلبين وتصبح عالة على النظام؟ وما الذي أدى إلى تحجيم دور النظام، ليتم تطبيقها فقط على عامة الناس ويضيق الخناق عليهم؟
في دراسة قام بها قسم أبحاث الميزانية والسياسات في الكونجرس الفلبيني تحت عنوان "ضريبة الأراضي البيضاء: التحديات والإشكالات في التنفيد"، خلصت الدراسة إلى أن هناك عدة إشكالات واجهها تطبيق النظام، وكان من أهمها عدم وضوح تعريف الأرض البيضاء، وذلك أدى إلى أن كل حكومة لمنطقة معينة تضع المعايير التي تراها مناسبة عند التطبيق، ولذلك تم تسخير النظام المبهم لمصلحة أصحاب الأراضي الكبيرة بحكم تقاربهم مع الساسة والذين قاموا بتفصيل تطبيق النظام بحيث يكون التأثير في الأراضي الكبيرة والسكنية أقل ما يمكن، والإشكالية الأخرى هي ضعف الشفافية والإفصاح عمّن تم تطبيق النظام عليه ومن هم أصحاب الأراضي التي تم تطبيق النظام عليها، وذلك جعل أغلب الناس يعارضون النظام لثقتهم بأنه يعمل لمصلحة المتنفذين من تجار وساسة، وتوجه سهامه نحو العامة ممن يملك أراضي صغيرة، لأن النظام يشمل أي أرض تزيد على 1,000 متر مربع مهما كان استخدامها، كما أن ضعف الشفافية في مصارف الرسوم التي تم تحصيلها جعل الكثير يشك في أنها ستعود بالنفع على التنمية وتحسين الخدمات، ومن الإشكالات أيضا ضعف تحصيل الرسوم الذي يعتبر امتدادا للإشكالية الأولى وجوهرها محاولة استثناء أصحاب الأراضي الكبيرة من خلال الساسة المتنفذين في كل منطقة، وأخيرا كان التقييم السيئ وضعف البيانات التي تدعم النظام من ركائز الفشل، حيث كانت الأراضي تقدر بنسبة معينة من القيمة السوقية وفقا للاستخدام، وكان أقلها السكنية التي تمثل قيمتها للرسوم فقط بـ 20 في المائة من قيمتها السوقية، وأعلى نسبة كانت للاستخدام التجاري والاستثماري بواقع 50 في المائة من القيمة السوقية، وبذلك لم تكن الرسوم تؤثر في أصحاب الأراضي وتحفزهم لاستثمارها والتوقف عن اكتنازها، كما أن بيانات الملكية للأراضي ضعيفة وغير محدثة ولا يوجد نظام جيد للتسجيل العيني للعقار وبالتالي كان التراخي من قبل المنفذين مع هذه البنية التحتية السيئة لمعلومات الأراضي بيئة خصبة لإضعاف النظام ومحاولة تحجيم أثره في السوق.
الخلاصة، المبدأ والفكرة من نظام رسوم الأراضي البيضاء جيد ومثمر تنمويا واقتصاديا، لكنه بحاجة إلى تفعيل وتطبيق جيد ليؤتي ثماره، والتجارب الناجحة في أستراليا مثلا خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وفي المقابل التجربة الفاشلة للفلبين خلال القرن الحالي، توضح أن الإشكال يكمن في التطبيق الذي يعتمد على ركائز معينة من أهمها، أن يخضع الجميع للنظام وألا يستثنى كائن من كان، والركيزة التالية هي الشفافية التي تحقق الاطمئنان للجميع بأن الأمور تسير على ما يرام وكذلك تعتبر وسيلة ضغط على المسؤول بحيث لا يتجرأ على الالتفاف على الأنظمة، وهذه الشفافية ستغلق الباب على أي شائعات أو محاولات لتوضيح أن النظام لا يعمل بشكل صحيح، أو أنه لا يحقق المطلوب منه، وكذلك من المهم العمل بشكل سريع على بناء قاعدة معلومات محدثة بثروة الأراضي الخاصة والعامة وتكاتف جميع الجهات المعنية للتوصل إلى المعلومات التي تضمن نجاح مشروع رسوم الأراضي، والأنظمة الأخرى مثل التسجيل العيني للعقار، كما أن التحصيل بشكل سنوي وبحزم يشمل الجميع، وتطبيق اللائحة، وأخيرا التقييم يعد إحدى الإشكالات التي تحدث عنها عديد من الدراسات التجريبية، التي ذكرت أن أهم ما يدعم استمرارية النظام وكفاءة عمله هو التحديث المستمر للتقييم والعمل على ربط قيمة الرسوم بالقيمة السوقية، وبأخذ هذه الركائز في الاعتبار وضبط جودة التنفيذ، سنجد أن النظام يحقق أهدافه ويعزز الثقة بين الجميع بأن هناك رغبة جادة في التحول نحو التنمية ورفع كفاءة استخدام هذه الأراضي بما يخدم المصلحة العامة ويحقق المصالح.