مذنب هولمز ينفجر ويشاهد بالعين المجردة في سماء المملكة

مذنب هولمز ينفجر ويشاهد بالعين المجردة في سماء المملكة

من بين جميع الأحداث السماوية يجذب ظهور المذنبات انتباه الإنسان لأن ندرتها وأشكالها الغريبة وغموض مظهرها تثير استغراب حتى العقول غير المبالية فالأشياء والتأثيرات التي نراها كل يوم وباستمرار أو التي تحدث في فترات منتظمة لا تثير الانتباه أو الفضول ومما يعزز اهتمام البشرية بالمذنبات أنها من الظواهر الفلكية التي لا يتمكن الإنسان من رؤيتها في عمره إلا بضع مرات فهي تتسم بالقطيعة الكونية لطول مدد دورانها حول الشمس تصل أحيانا إلى مئات الألوف من السنين كمذنب هيل بوب الذي لن يشاهد إلا بعد 2500 سنة.
ولقد أثار مذنب هولمز Holmes الذي انفجر بسبب غامض ولمع بشكل غير متوقع أنحاء العالم في الفترة الماضية اهتمام كل المراصد العالمية والعلماء والهواة حيث بدت عليه تطورات مغايرة عن المعتاد إذ بدأ لمعانه يزداد بشكل مفاجئ ارتفع قدر لمعانه من 17 إلى 3 وأصبح مشاهداً بالعين المجردة في الجزء الشمالي من السماء، في مجموعة نجوم" برشاوس"، ويرى على شكل بقعة ضوء مغبشة، ولمعانها بمثل لمعان النجوم في مجموعة الدب الأكبر.
وما زال العلماء يخمنون سبب هذا الانفجار الكوني فمنهم من قال إن هناك تفاعلات أدت إلى انفجار النواة فأدى إلى تكون هالة حولها ومنهم من رجح أن هناك تصادما كونيا بين هذا المذنب وجرم سماوي زائر تقاطع مع مداره، وذهب آخرون إلى أن السبب يعود إلى تحطم في نواته الداخلية أو بسبب ازدياد تسخين سطحه من خلال أشعة الشمس وآخرهم من ذهب إلى أن سطح المذنب حدثت به تشققات مسببة انطلاق الجليد فعرضه لأشعة الشمس على شكل " مادة متفجرة " مكونة من الغاز والغبار وأشعلها أشعة الشمس.
ولم تكن ثمة إجابة شافية لهذا الانفجار الغامض فالفرضيات تدور حول نفسها ولم تصل بعد إلى درجة اليقين وذهب بعض أهل العلم إلى أن الانفجار الحاصل طبيعي في سلوك مذنب هولمز ويدللون على ذلك بأن الراصد هولمز لم يكتشفه إلا عندما انفجر في عام 1892.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن المذنبات عبارة عن أجرام سماوية ثلجية ضخمة تتكون من نواة أو رأس وذيل، تترك خلفها أثراً شديد الضياء يرى غالباً بالعين المجردة ويدعى مذنباً. وقد يكون الأثر الضوئي ضعيفاً يصعب تمييزه بغير التلسكوب.
وليس لدينا نظرية حتى اليوم حول منشأ المذنبات . ومع هذا فإن الاعتقاد السائد أن عمرها يساوي عمر المنظومة الشمسية ، وأغلب الظن أنها نشأت من سحاب غازي . ويعتقد أن نواة المذنب تتكون من فتات الصخور والغبار الملتصقة ببعضها، وتتخللها المسام بحيث تجعلها ذات نسيج إسفنجي أشبه بالطفوح البركانية الإسفنجية، والتي تحتوي على تجاويف نتيجة لخروج الغازات منها.
أما ذيل المذنب فهو شريط طويل من الغازات يتبع النواة في اتجاه معاكس للشمس. ونظراً لوجود الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان والنشادر بالإضافة إلى غازات أخرى، فإن النواة تصبح ساخنة عند الاقتراب من الشمس. وتنطلق الغازات إلى ذيل المذنب على شكل نافورة مضيئة في السماء.
وعندما تنطلق الكرة المتجمدة من حافة المنظومة الكونية في طريقها إلى الشمس، على شكل كرة غير منتظمة مشوهة، مليئة بالثقوب والممرات والحفر وعندما تقترب من الشمس، تبدأ تأثيرات الحرارة في الكرة الغازية المتجمدة، فيتحول جزء من كتلتها الصلبة إلى غاز متسام ممزوج بالغبار على سطح الكرة، وبعضه الآخر يخرج من داخل الكرة عبر الشقوق على شكل نوافير.
يأخذ الغبار الكوني بالتمدد كلما اقتربت الكرة من الشمس، وذلك بفعل الحرارة والرياح الشمسية، ويأخذ جزء من تلك الغازات بالاندفاع نحو الاتجاه المعاكس للشمس مكونا ذيلا..ولهذا سمي المذنب، مذنبا.
واختلفت الآراء حول زمن تشكل هذه المذنبات، لكن الرأي الغالب هو أنها تشكلت في زمن يلي تشكل الشمس والكواكب، وأن ما دفع هذه الغازات والأتربة إلى الحافة هو الرياح الشمسية القوية.
وتعمل عوامل الجذب الكوني المختلفة على إخراج بعض هذه الكرات من المدار الذي تسلكه الهالة الكونية تلك، لذا تتخذ الكرات أحد المدارات التالية الثلاثة:
مدار خارج المنظومة الشمسية، حيث تندفع الكرة إلى خارج المنظومة إلى غياهب الفضاء فلا ندري عنها شيئا، أو تندفع في مدار إهليجي شديد الاستطالة حول الشمس، والحالة الأخيرة أن تسلك الكرة مدارا على شكل قطع زائد مفتوح، وهذا يعني أن تدور مرة حول الشمس ثم تخرج من المنظومة نحو الفضاء، في رحلة بلا عودة وعلى هذا الأساس تصنف المذنبات إلى صنفين. الصنف الأول : وتدعى المذنبات الدورية لأنها تعاود زيارة المجموعة الشمسية في فترات محددة ، ومساراتها قريبة من الدائرة أو إهليلجية.
الصنف الثاني: المذنبات العابرة وهي التي تكون مساراتها على شكل قطع مكافئ أو فرع من قطع زائد ولا يمكن ملاحظتها إلا مرة واحدة ، ومثال على المذنبات الدورية مذنب هالي Halley ، الذي شوهد أول مرة عام 240 قبل الميلاد ، وسمى بهذا الاسم نسبة إلى إدموند هالي Edmond Halley الذي حسب دورته فكان ستة وسبعين عاماً ، وتوقع عودته في أعوام 1759 و 1835 و 1910 . والذي عاد إلى الظهور عام 1986 ، أما إذا غاب عن الأنظار فسيكون الأمر غريباً حقاً .
أما المذنبات العابرة والتي تأتينا من الفضاء الكوني يصعب التنبؤ بلحظة ظهورها وهي التي يبحث عنها الهواة. ومذنب هولمز الغامض تم اكتشافه بواسطة العالم " هولمز " في 6 أكتوبر في عام 1892 وذلك عندما كان يقوم بأرصاد منتظمة لمجراة أنروميدا . وتم تأكيد هذا الاكتشاف بواسطة العالمان الفلكيان " أدوارد موندر وويليم هنري ."
وقام الفلكي الألماني " هنريش كريوتز " و الفلكي الأمريكي " جورج سيرل بحساب مداره البيضاوي حول. ولقد تم رصد مذنب هولمز خلال الفترة من 1892 إلى 1906م إلا أنه فقد بعد عام 1906م وتم ظهوره مرة أخرى في 16 تموز (يوليو) 1964 على يد الفلكية الأمريكية " إليزابيث رومر " .

- عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

الأكثر قراءة