4 مليارات تحول جسر الجمرات إلى معلم عمراني في الحج
كان هاجسهم الوحيد إتمام شعائر دينهم وخاصة الركن الخامس منه، وكانوا يحلمون طوال سني أعمارهم برؤية المشاعر وتأدية فريضة الحج التي يتكبدون من أجلها أشد العناء في ظل الإجراءات المتبعة في بلدانهم وارتفاع أسعار التأشيرات بما يفوق طاقاتهم، فهم بسطاء، بل فقراء لا يملكون ما يكفي لسد الرمق ومواجهة متطلبات الحياة ومع ذلك حاربوا جميع العوائق حتى وصلوا إلى مكة، وبجوار البيت الحرام وفي المشاعر هطلت دموعهم بالبكاء عند مشاهدتهم جسر الجمرات، ذلك الذي كان كابوسا مزعجاً نظرا للحوادث التي وقعت فيه بسبب التدافع.
هؤلاء هم فئة من ضيوف الرحمن وقفوا مذهولين، ذرفت أعينهم الدموع عند مشاهدتهم جسر الجمرات للمرة الأولى في حياتهم بعد أن شهد العديد من التطورات التي ستسهم بعد الله في الحفاظ على سلامتهم، بعد أن كان يهدد حياتهم ويجعلها على مشارف الموت.
لم تقف حكومة خادم الحرمين الشريفين صامتة، بل وجهت جميع المتخصصين بعمل الدراسات والتصاميم التي من شأنها أن يسهم جسر الجمرات في تسهيل عملية الحركة والرجم دون أن يصحبها أي من تلك الحوادث، وخصوصاً بعد أن تحلت خيام منى "المدينة البيضاء" منذ أكثر من عشر سنوات بخيام مضادة للحريق نسفت حوادثها من أرض الواقع.
لم يدم الوقت طويلاً وإذا بالأفكار تتوارد وكل من المختصين السعوديين أو الأجانب يدلي بدلوه ليظهر مشروع الجمرات، فمذ الوهلة الأولى لدخول أكثر من ثلاثة ملايين حاج لمشعر منى هللوا وكبروا برؤية المشروع الذي جعل من الطمأنينة تسري داخل أنفسهم، وليزدادوا اطمئنانا بأنهم سيعودون من صعيد مزدلفة ليرجموا على أثرها الحصيات دون أن يتعرضوا لأي مكروه، إلا أن يشاء الله.
وكان لا بد لإنجاح المهمة من إعادة تخطيط منطقة الجمرات بكاملها وتوسعتها، لذلك تم اقتراح إعادة تخطيط المنطقة بما يتناسب مع الحل المقترح، وبنيت الفكرة المعمارية للحل على أساس وجود ثلاث مناطق مركزية ذات أهمية متكافئة، وهي أحواض الرجم الثلاثة، وأعطيت الشكل البيضوي لتتناسب مع الحل الجديد لشكل أحواض الرمي وتساعد على حسن توزيع الحجاج من حول الأحواض وشعورهم بوصولهم المنطقة التي يقصدونها.
ويخدم المستوى الأول من جسر الجمرات الحجاج القادمين من جهة منى بواسطة منحدرين ويتم الخروج منه عبر ثلاثة منحدرات، أما المستوى الثاني فهو يخدم الحجاج القادمين من جهة مكة بواسطة منحدرين، ويتم الخروج منه عبر منحدر باتجاه مكة مع إمكانية الخروج إلى منى بواسطة السلالم المتحركة أو السلالم العادية، والمستوى الثالث يخدم الحجاج القادمين من وسط منى ومن شارع الملك فهد ومن مجر الكبش، ويتم الوصول إليه والخروج منه بواسطة سلالم متحركة أو سلالم عادية ومنحدرين أحدهما من جهة الملك فهد والآخر من مجر الكبش ويخدم مشاريع الإسكان التي ستقام مستقبلاً على سفوح الجبال، والمستوى الرابع لخدمة الحجاج القادمين من الجهة العليا من شارع الملك عبد العزيز (ربوة الحضارم) ويتم استعمال محطة الحافلات المتوافرة في هذا المستوى لخدمة الحجاج القاصدين لهذا الدور الذي يوفر ممراً سهلاً للدخول والخروج منه دون أي عناء، وفي المستقبل يمكن أن يخدم المساكن على سفوح الجبال في الجهة الشمالية أيضاً. والمستوى الأرضي: يخدم بشكل رئيسي القادمين من جهة منى، أما المستوى السفلي هو عبارة عن دور سفلي جزئي تحت جسر الجمرات يتم الوصول إليه والخروج منه عبر نفق شارع الجوهرة من الجهة الشمالية وعبر نفق شارع الملك فيصل من الجهة الجنوبية لحالات الإخلاء والطوارئ ولتجميع النفايات وحصى الرمي ونقلها خارج منى وفيه إمكانية لرمي الجمرات للوفود.
وتم تزويد الجسر الجديد بنظام معلوماتي لقياس كثافات الحجاج في مناطق متعددة من الجسر وشوارع منى وبث تلفزيوني مباشر إلى اللوحات الإرشادية وإلى الحجاج في مخيماتهم وأماكن وجودهم، كما تم تزويد المبنى بملطفات للحرارة عن طريق التكييف الصحراوي وبث الرذاذ وتغطية للدور الرابع بقماش الخيام لحماية الحجاج من حرارة الشمس المباشرة ولإضفاء شكل معماري مناسب.
ويمتاز التصميم الجديد لجسر ومنطقة الجمرات بأنه صمم لثمانية مستويات على الأقل، وتتحمل أساساته وأعمدته 12 دوراًً.
ويقول المختصون من الجهات المعنية بتنفيذ جسر الجمرات وتشغيله إن الحوادث التي كان يشهدها جسر الجمرات أصبحت تاريخا ـ إن شاء الله ـ وذلك لما يشتمل عليه الجسر من مميزات ومنها أنه تم تطوير المشروع بما يحقق أداء شعيرة رمي الجمرات ضمن الضوابط الزمنية الشرعية بحيث يسير الحجاج حاملين حصياتهم إلى أماكن أحواض الرجم المعتادة ورجم الشواخص دون الاعتماد على وسائل ميكانيكية، ويتماشى المشروع ويتكامل مع البيئة المحيطة به، وله عدة مداخل وعدة مستويات للدخول والخروج (12 مدخلاً، و12 مخرجاً، إضافة إلى المداخل المتعددة والمخارج المتعددة للدور الأرضي) تفتيت الكتلة والوصول إلى أقرب نقطة من مكان قدوم الحجاج، وتوسعة الساحة وإعادة تنظيمها بما يضمن توازن الشوارع مع مداخل الجسر، وإنشاء محطات للحافلات في عدة أماكن ومستويات بما يمكّن من إيجاد خطوط ترددية لخدمة الحجاج والتخفيف عليهم، وفصل حركة المركبات عن حركة المشاة، وزيادة الطاقة الاستيعابية بأربعة مستويات، إضافة إلى الدور الأرضي بما يخدم أكثر من أربعة آلاف حاج في أقصر الأيام (ست ساعات) بين الزوال والغروب.
ومن أهم ما يتميز به الحل الجديد والمنشأة الحديثة تغيير شكل الأحواض إلى البيضوي المنتظم مع الشاخص على شكل جدار ممتد لمسافة نحو 40 متراً بدلاً من العمود، وفصل حركة الراجمين إلى مسارين، وتوفير ستة أبراج للطوارئ على طول الجسر مع ارتباطها بالأنفاق في الدور السفلي وبمهابط الطائرات العمودية في الدور العلوي، وتعمل أبراج السلالم المتحركة والسلالم العادية في أوقات الطوارئ كأبراج مساعدة على الإخلاء من دور إلى دور وفي عمليات الإنقاذ وإخلاء المبنى ككل، ورحابة الأدوار وسعتها بعرض 100 متر وارتفاعها عشرة أمتار وبطريقة إضاءتها وتشكيلها دون إعاقات من أعمدة ونحوه تُشعر الحاج بوصوله إلى المكان المقصود ورؤيته للشاخص والحوض بسهولة دون عناء.
وينفذ المشروع على أربع مراحل انتهت الأولى والثانية منها اللتان تضمنتا إزالة الجسر القديم والحفريات اللازمة لأساسات الجسر الجديد التي اقتضت حفريات في الصخور لكمية تزيد على 700 ألف متر مكعب، إضافة إلى إقامة بدروم والطابقين الأرضي والأول، ويتكون مشروع الجسر الجديد الذي يبلغ طوله 950 مترا وعرضه 100 متر من أربعة طوابق تنتهي أعمال إنشائها قبل حج عام 1429هـ بإذن الله تعالى، ووضعت التصاميم من قبل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في جامعة أم القرى ووزارة الشؤون البلدية والقروية، فيما قامت جهات أخرى بإجراء بعض الدراسات على الجسر، منها الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة.