مسؤولو «تسيير الأعمال» .. و«رؤية 2030»

"تشريف لا تكليف" عبارة يقولها مسؤولون بألسنتهم عند تعيينهم في المناصب القيادية وبعضهم يقول تشريف وغنيمة، ولذلك تجدهم يحرصون أشد الحرص على التمسك بالمنصب والاستفادة منه بطريقة أو بأخرى، والعمل وفق قاعدة "تسيير الأعمال" دون فكر أو جهد تطويري مع اتباع سياسة التشدد في تسيير الأعمال لحماية النفس من الوقوع في الأخطاء التي قد تغضب رؤساءهم، بمعنى آخر تسيير الأعمال بالحد الأدنى وبالقدر الذي لا يثير المراجعين والمستفيدين ولا يحملهم أي مسؤولية نتيجة الوقوع في أخطاء لو اتبعوا سياسة التطوير.
نصت "رؤية 2030" في مقدمتها على أن ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت هي شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله، وأنه سيتم تخفيف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وتوسيع دائرة الخدمات الإلكترونية، واعتماد الشفافية والمحاسبة الفورية، حيث أنشئ مركز يقيس أداء الجهات الحكومية ويساعد على مساءلتها عن أي تقصير، وأنه ستكون هناك شفافية وصراحة عند الإخفاق والنجاح، وسيتم تقبل كل الآراء والاستماع إلى جميع الأفكار.
في حين نص تعريف برنامج التحول الوطني على أنه برنامج يقوم بتهيئة البنية الأساسية لرفع كفاءة أداء وتمكين التحول المؤسسي للجهات الحكومية للإسهام في تطوير القطاع الحكومي، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والوافدين، وتنمية القطاع الخاص، وتمكين القطاع غير الربحي.
محتوى هذه النصوص يتحدث عن شعب طموح، وبيروقراطية غير معيقة، ورفع للكفاءة، وتحسين للخدمات، وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق من خلال مسؤولي تسيير الأعمال الذين يضاعفون البيروقراطية والروتين بمزيد من الإجراءات والتعقيد، لحماية أنفسهم ومصالحهم على حساب المصلحة العامة ومصلحة أفراد المجتمع وحقوقهم، وعلى حساب تطوير الأجهزة التي يعملون فيها كمسؤولين يجب أن يتحملوا مسؤولية وظائفهم الإشرافية، التي تتضمن التفكير، والتخطيط بالاعتماد على الدراسات التحليلية، والتشخيصية الدقيقة والحديثة وتتطلب روح المبادرة التطويرية، وتحمل مخاطر عدم النجاح مع الإصرار على تحقيقه والاستفادة من التجارب غير الناجحة.
في برنامج التحول تتكرر كلمة "تطوير" وهذه الكلمة تتطلب مسؤولا بروح قيادية "يفكر" ويشيع "التفكير" في وزارته، أو وكالته، أو إدارته، أو قسمه بين كل مرؤوسيه وموظفيه، كما يشيع العمل بروح الفريق المتكامل بصورة إبداعية، ويؤمن بأن كل شيء لم يصل للكمال ويمكن تطويره للأفضل بالاستفادة من التجارب المحلية والدولية الناجحة والمتميزة، للوصول إلى تحسين إنتاجية موظفيه ورفع قدرتهم بما يرفع من كفاءتهم وإنتاجيتهم للتجاوب مع المستفيدين من خدماتهم بما يحقق راحتهم ورضاهم ويوفر أوقاتهم من خلال الاستثمار الأمثل للخدمات الإلكترونية على سبيل المثال.
كثير من الشباب الطموح المتحمس الذي تأهل داخل وخارج البلاد وجاء ليشارك ويسهم في تطوير الوحدة الإدارية التي يعمل فيها وبالتالي الجهاز الذي ينتمي له يواجه المسؤولين الذين يعملون وفق قاعدة تسيير الأعمال وحماية الظهر من الوقوع في الخطأ والزلل، ويؤثرون إدارة وحداتهم الإدارية من خلال نظام الشللية والمحسوبيات بدرجة عالية من الغموض بعيدا عن الوضوح والشفافية لتحقيق المكاسب الشخصية وللاستمرارية في المنصب الغنيمة، وفي حال استفسار أي جهة عن عدم قيامهم بإنجاز المهام على أكمل وجه وبصورة إبداعية يضعون قائمة طويلة من الأعذار والتبريرات التي لا حصر لها ومن الصعب حلها، حيث تشابكها وارتباطها مع أجهزة أخرى، ومن العجيب أنك تجدهم مبدعين في التفكير في الأعذار والمبررات في حين يعجزون عن التفكير في تطوير العمل من خلال المبادرات التنفيذية الإبداعية.
وبالتالي تجد الشباب الطموح المؤهل المتحمس يذبل شيئا فشيئا ويدخل في دوامة تسيير الأعمال والتفكير بالتبرير لا التطوير بمرور الزمن، وبعضهم مع الأسف الشديد يضطر للدخول في إحدى مجموعات الشلل والمحسوبيات لحماية نفسه وتحقيق مصالحه الشخصية وإلا سيجد نفسه منبوذا لا يكلف بأعمال ولا يعطى من المكافآت والبدلات التي تحسن من وضعه المادي، وبالتالي فإن مسؤولي تسيير الأعمال كأنهم مرضى قادرون على نقل فيروس المرض بشطارة منقطعة النظير لجميع مرؤوسيهم حتى يصبح ثقافة عمل تسود بشكل كبير على ثقافة التفكير والتطوير وخدمة المراجعين والمجتمع والوطن بالمحصلة.
مسؤولو تسيير الأعمال لا يؤثرون سلبا في مرؤوسيهم فقط ويقتلون في أنفسهم روح المبادرة والإبداع والعطاء بل يؤثرون سلبا في جودة حياة الأفراد، حيث يعاني الأفراد ضياع الوقت والجهد والمال لإنهاء معاملاتهم والحصول على حقوقهم بما يعكر صفو حياتهم ويضعف جودتها، كما أنهم يؤثرون سلبا في معدلات نمو القطاع الخاص حيث يشكلون عقبة كبرى أمام إنجاز أعمال في الأوقات والجودة المستهدفة الأمر الذي يكلف القطاع الخاص مبالغ باهظة ويفوت عليه فرص نجاح وتحقيق إيرادات محفزة وداعمة، حتى بات مجتمع الأعمال على ثقة بأن ما يقال بشأن تنمية المنشآت بجميع مستوياتها وخصوصا المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا يتجاوز النشر الإعلامي بخلاف الواقع الذي يقول إن الإعاقة هي الأصل.
الأثر السلبي لمسؤولي تسيير الأعمال الذين يعملون على تحقيق مصالحهم الخاصة وحماية ظهورهم نراه جميعا في شوارعنا المشوهة بالحفر والهبوطات والارتفاعات رغم الإنفاق السخي من الدولة في التأسيس والصيانة، وعندما نسأل عن ذلك نجد الأعذار والمبررات وأن الأمر غاية في الصعوبة ولا يمكن معالجته لتداخل الاختصاصات وكثرة الجهات المسؤولة عن تمديد الخدمات، وكأن العالم لم يفلح في معالجة ذلك، وكل ذلك لكيلا يغير المسؤولون سياساتهم في إدارة أجهزتهم ولكيلا يفقدوا مكتسباتهم بمبررات واهية.
ختاما، حان الوقت للتشدد في تطبيق معايير الجودة، ومبادئ الحوكمة، وأحدث نظريات التخطيط الاستراتيجي، لتطوير أعمال الأجهزة الحكومية، ونشر ثقافة التفكير لدى القيادات كافة، ومتابعتها بأدق مؤشرات الأداء دوريا، وتحديد شروط مرتبطة بكل ذلك للاستمرارية في المنصب والحصول على الترقيات والمكافآت، وكلنا ثقة بالقائمين على "رؤية 2030" في القيام بذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي