تعديلات تحفيزية في برنامج التحول الوطني

نخطط ونعمل ونقيّم ثم نعدل الخطط ونستمر في العمل والتقييم حتى نحقق "رؤية المملكة 2030". فالرؤية لنا كالنجمة التي تهدينا في المسيرة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. هذه أهم القواعد الأساسية للنجاح التي لخصها وزير المالية السعودي، فالحكومة السعودية بكل مكوناتها تسير على الطريق الصحيح في برنامجها الإصلاحي، ففي النصف الأول من هذا العام، ارتفعت الإيرادات بنسبة 29 في المائة في حين انخفض الإنفاق بنسبة 2 في المائة، وتتجه الميزانية لتحقيق خفض في العجز إلى أقل من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وهذا بدوره يعزز خطط المملكة نحو إنجاز توازن الميزانية العامة المخطط له. ولعل أهم ما جاء في تصريحات وزير المالية هو التأكيد على أن المملكة لا تعمل على ميزانية تقشفية، أو حتى تخطط لها، ولهذا يجب قراءة التخفيض الناتج في الإنفاق بطريقة صحيحة. فالمملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم فيها، وهي تعمل على إعادة ترتيب الاقتصاد بما يحقق كفاءة عالية في الإنتاج مقابل ما يتم إنفاقه، فالمشاريع التي تثبت جدواها هي التي ستبقى وعلى الجهات الحكومية المنافسة على الموارد من خلال تقديم مشاريع تنمية تتسم بالفعالية والكفاءة، وهذه العلاقة الاقتصادية هي التي تقود المملكة نحو إصلاحات جذرية في أسعار الطاقة وإعادة النظر في الدعم وطريقة وصول المواطن إليه، ففي السابق كانت المملكة تدعم المنتجات البترولية المستهلكة في المملكة وتدعم أسعار الكهرباء على أساس أن ذلك سوف ينعكس على موارد المواطنين ويحسن من دخلهم واستخدامات الدخل، لكن الأمور اختلفت اليوم، فهناك الملايين من العمال الأجانب الذين يستفيدون من الدعم الحكومي للسلع، وهناك كثير من مظاهر سوء استخدام الموارد والاستهلاك الجائر لها، لهذا فإن المملكة تعمل على تصحيح العلاقة بين الدعم وأهدافه مع دعم القوة الشرائية للمواطنين من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط ولها تم ابتكار نموذج "حساب المواطن"، بحيث يحصل المواطن على الدعم مباشرة، كما أن أسعار الطاقة الجديدة سوف تعمل على تصحيح سلوك المستهلكين.
ولأن الرؤى واضحة الأهداف معقولة وإن كانت طموحة فإن العمل يحتاج دائما إلى مراقبة وتصحيح، فالمملكة قد تستغرق وقتا أطول لتحقيق التوازن في ميزانيتها، أطول ما كان مخططا له ولكن ليس بصورة حادة، بل بشكل بسيط، وإذ تعلن المملكة ذلك على لسان وزير المالية فهي تؤكد "رؤية المملكة 2030" الارتكاز على الشفافية العالية والمصداقية، فالمملكة بعد مضي هذه الفترة من العمل على تحقيق "برنامج 2020" ترى أن بعض التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية أيضا تؤثر بشكل مباشر في مسار الخطط لكن مثل هذا التأثير ليس جوهريا على كل حال، ومع أن المملكة ستقلل دعم الطاقة بشكل تدريجي حتى تصل إلى الأسعار العالمية، لكن مرة أخرى سوف تعدل المملكة من توقيت إنجاز ذلك بشكله النهائي. وإذا كانت بعض المشاريع ستواجه تعديلات في توقيت الإنجاز بالتأخير فإن هناك مشاريع ثبت أنه يمكن التسريع فيها ومن ذلك "برنامج المملكة التحفيزي للقطاع الخاص"، البالغ 200 مليار ريال "53.3 مليار دولار" لتعزيز النمو، فهناك نحو 40 مليار ريال تم الالتزام بها حتى الآن في مجال الإسكان وصندوق التنمية الصناعية، كما أن البرنامج يركز على الشركات المتعثرة التي تكون قابلة للحياة وتضيف قيمة للاقتصاد، لكنها تواجه صعوبات.
من يقرأ تصريحات وزير المالية الأخيرة في واشنطن مع التصريح ببعض التعديلات في توقيت بعض البرامج يدرك جليا أن هذه التعديلات جاءت لتحفيز الاقتصاد أكثر، خاصة أنه أثبت تماسكا خلال الفترة الماضية لهذا فإن البرامج التي تسعى إلى رفع أسعار الطاقة وخفض العجز في الميزانية كلها سوف يتم تأجيل الانتهاء منها قليلا حتى يجد الاقتصاد مساحة أوسع من الإنفاق التحفيزي، بينما مشاريع الدعم مثل "حساب المواطن" و"برنامج تحفيز القطاع الخاص" فإنها تسير أسرع ما كان مخططا لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي