المحاربون القدامى!

 المحاربون القدامى!

في كل الدول التي خاضت حروباً كبرى يتم تكريم المحاربين القدامى بعد مضي سنوات عديدة على انتهاء الحرب، يجتمع فيها المحاربون والمواطنون والمسؤولون في احتفالات عسكرية يرتدي فيها المحتفى بهم البدل العسكرية ويتقلدون النياشين، تكريما لهم على نضالهم ومفاداتهم بأرواحهم دون أوطانهم وأبناء جلدتهم، المحاربون القدامى هم دائماً المثل الأجمل للمحاربين الجدد، وهم وقود حماستهم وملهميهم، لا يكون حضورهم للبهرجة أو المجاملة بل للحث على المضي قدماً باتجاه النصر والعزة، وفي كثير من ميادين الفن والرياضة والأدب يتم استلهام مكانة المحاربين القدامى وتحويرها لتناسب الحال الذي سيتم توظيفها فيه، وفي الشعر الشعبي تحديداً هناك من يتشدق في كل مكان يطل منه بأنه المحارب الشرس لنصرة الشعر الحقيقي، كثيراً ما تحدثوا وكثيراً ما نظروا وكثيراً ما أشبعوا الآذان بما يصمّها من الكلام الذي لا يتعدى طبلة الأذن!، أحدهم وهو بالمناسبة أشرسهم شكلاً و"هياطاً"، روّج لنفسه كثيراً في الآونة الأخيرة ، وصنع من ذاته القزمة عملاقاً في قرية الأقزام، قال إنه سيكون نصير الشعر الحقيقي، وحكى لمستمعيه حكايات خرافية عن إيقافه لشعراء الهياط والجن والعفاريت عند حدهم، وحين تحدثا الصوت والصورة اللتان لا تكذبان رأينا هذا العملاق على غير هيئته الشكلية في بادئ الأمر، فقلنا لعلها الشهرة ومتطلباتها!، ثم نطق أبو الهول!!، وليته لم ينطق، فقد كان جميلاً جداً في حكاياته الخرافية التي أسدلت عيون الأطفال ليلاً وناموا عليها، ليته سكت ولم نره وهو يصفق "لسلاحف الشعر" التقليديون كما كان يسميهم، ليته سكت قبل أن يستجدي ألد أعدائه تحت وطأة الهالة الجماهيرية وتوجيهات صاحبة البلاط! ، ليته بقي على هيئته الشكلية فقد كان لها هيبةً ووقاراً "شكلياً" على الأقل، هذا المحارب هو أغرب محارب قديم في العالم، فالمحاربون القدامى لا يتسمون بهذه التسمية إلا بعد انقضاء الحرب بسنوات عديدة، ولكن هذا المحارب وضع سيف الكلام في بداية المعركة، وتخلى عن نضاله الزائف ومبادئه الهشّة ومع ذلك يريد أن يتم تكريمه على أنه محاربٌ قديم!

الأكثر قراءة