سوق العقار .. منعطف إيجابي جديد
دخلت أخيرا سوق العقار المحلية منعطفا جديدا بالغ الأهمية، بدأته مع نهاية الربع الثالث الماضي من العام الجاري أيلول (سبتمبر)، وأكملته بمعدل أسرع مع مطلع الربع الأخير من العام الجاري تشرين الأول (أكتوبر)، حيث بدأ التباين اللافت بين اتجاهي كل من قيمة الصفقات العقارية وأعداد العقارات المبيعة، بعد أن كانا يسجلان معا معدلات نمو سلبية سنويا بالانخفاض طوال أكثر من عامين مضيا، ليتحول اتجاه أعداد العقارات المبيعة والمنقولة ملكيتها نحو الارتفاع سنويا خلال أيلول (سبتمبر) ـــ تشرين الأول (أكتوبر)، مقابل استمرار تراجع قيمة الصفقات العقارية في الانخفاض بمعدلات أسرع من السابق، وهو التحول البالغ الأهمية الذي سيأتي تفسيره في الجزء التالي من هذا المقال، ويتوقع وفقا لتطورات السوق العقارية الراهنة وللعوامل المالية والاقتصادية القائمة، أن يستمر اتساع أداء السوق وفق هذا المنظور طوال الأعوام المقبلة.
أظهرت مؤشرات أداء السوق العقارية خلال شهري أيلول (سبتمبر) - تشرين الأول (أكتوبر)، انخفاض قيمة الصفقات العقارية سنويا بنسبة 28.7 في المائة عن أيلول (سبتمبر)، مقابل ارتفاع أعداد العقارات المبيعة سنويا للشهر نفسه بنسبة 21.7 في المائة، وبالوتيرة نفسها انخفضت قيمة الصفقات العقارية سنويا لشهر تشرين الأول (أكتوبر) بنسبة 14.7 في المائة، مقابل ارتفاع أعداد العقارات المبيعة سنويا بنسبة 30.3 في المائة. ماذا تحمل هذه التحولات من تفسيرات ومؤشرات؟!
يعكس هذا التباين بين انخفاض قيمة الصفقات العقارية بتلك النسب الكبيرة من جانب، ومن جانب آخر ارتفاع أعداد العقارات المبيعة والمنقولة ملكيتها بنسب مماثلة لكن باتجاه الارتفاع، تؤكد تلك المقارنة حدوث انخفاض ملموس في القيم السوقية للأصول العقارية على اختلاف أنواعها، التي رغم حدوثها بتلك الانخفاضات الملموسة في مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية (سكني، تجاري)، إلا أنها لا تزال في مستويات متضخمة جدا مقارنة بمستويات الدخل السنوي للمستهلكين، وتعد أيضا أسعارا متضخمة حتى بالنسبة لقطاع الأعمال. إنه باختصار شديد؛ بداية طريق لتصحيح مستويات الأسعار المتضخمة للأصول العقارية، والعودة بها إلى المستويات العادلة سعريا لها، التي تعكس توازن قوى العرض والطلب في السوق العقارية، وتتوافق بمستوياتها العادلة مع القدرة الحقيقية للشراء لعموم المستهلكين، والمتوقع أن يمتد تأثير انخفاضها إلى تكلفة الإيجارات (سكني، تجاري)، التي سيسهم دون شك في تحسن مستويات المعيشة بالنسبة للأفراد المستأجرين، ويمنحهم وقتا أفضل انتظارا لتملك مساكنهم، وسيسهم أيضا في خفض تكلفة التشغيل بالنسبة لمنشآت القطاع الخاص، بما يدعمها في مواجهة سياسات إصلاح أسعار الطاقة، ودفع الزيادات في رسوم العمالة الوافدة أو دعم قدرتها على توظيف العمالة الوطنية، والتكيف سريعا مع التحولات الهيكلية الجاري تنفيذها خلال المرحلة الراهنة.
يعد مؤشرا إيجابيا أن تسجل الأسعار المتضخمة في السوق العقارية انخفاضا، وأن يستمر ذلك الانخفاض لعدة أعوام مقبلة، سينعكس إيجابا على أداء السوق العقارية بعودة نشاطها إلى الارتفاع، بما يخدم الاقتصاد الوطني، ويلبي طلب واحتياج المجتمع الاستهلاكي والإنتاجي على حد سواء، بناء على مستويات سعرية أكثر عدالة ودون مغالاة في مستوياتها.
حينما تقرأ التطورات المشار إليها أعلاه بالأرقام، ستتضح الصورة أكثر لدى القارئ الكريم، ففي الوقت الذي تمكنت السوق العقارية من إتمام بيع ونقل ملكية نحو 11.5 ألف أصل عقاري بما قيمته 12.9 مليار ريال (سبتمبر 2016)، وإتمام بيع ونقل ملكية نحو 17.9 ألف أصل عقاري بما قيمته 20.9 مليار ريال (أكتوبر 2016)، انتقلت السوق أخيرا إلى إتمام تلك الصفقات بأعداد أكبر، لكن بقيمة أقل! حيث تمكنت السوق العقارية من إتمام بيع ونقل ملكية نحو 14.0 ألف أصل عقاري بما قيمته 9.2 مليار ريال (سبتمبر 2017)، وإتمام بيع ونقل ملكية نحو 23.4 ألف أصل عقاري بما قيمته 17.8 مليار ريال (أكتوبر 2017)، تتيح المقارنة هنا رؤية الصورة كاملة، وبشكل أكثر وضوحا لدى القارئ الكريم. ارتفاع أعداد العقارات المنقولة يقابله انخفاض قيمة تنفيذ تلك الصفقات، بما يؤكد فعليا دخول الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية موجة تصحيح سعرية طال انتظارها، ويتوقع بمشيئة الله تعالى أن تستمر وتتسع طوال الأعوام المقبلة، وأن تؤتي ثمارها فترة بعد فترة بنتائج إيجابية، ستنعكس بكل تأكيد على تحسن معدلات ملكية المواطنين لمساكنهم بأسعار أدنى، ودون أن تتسبب في إرهاق ميزانية الأسر لعدة أعوام مقبلة، عدا بقية الإيجابيات الأخرى التي ستعكسها على بقية قطاعات ونشاطات الاقتصاد الوطني بمشيئة الله تعالى.
إننا في اتجاه إيجابي بحمد الله، وتسير تطورات السوق العقارية في الطريق الأكثر سلامة وأمانا للجميع من أفراد ومنشآت القطاع الخاص على حد سواء، للتخلص من المعوقات والتشوهات التي أدت مع الأسف إلى تضخم أسعار مختلف الأصول العقارية وتكلفة إيجاراتها طوال العقد الماضي دون مبرر مقبول أو معقول، وإعادة السوق العقارية إلى المنطقة أو الموقع التي تخدم الاقتصاد الوطني والمجتمع، وهو على العكس تماما مما كانت عليه في مراحل زمنية سابقة، تسببت في استنزاف جهود ومقدرات البلاد والعباد، وتسببت أيضا في تضخم تكلفتي المعيشة والإنتاج، بصورة أعاقت استقرار ونمو الاقتصاد الوطني. الآن؛ تحت هذه التطورات الإيجابية، يتوقع أن تشهد تطورات الاقتصاد الوطني عكس كل ما تقدم، وأن يتعافى النمو الاقتصادي رغم الإصلاحات الراهنة، وأن يزداد استقرارا وصلابة أمام مختلف تلك التطورات والإصلاحات الجاري العمل عليها خلال الفترة الراهنة. والله ولي التوفيق.