صناعة الحلويات الألمانية تواجه "التشبع" بحملة إعلانات جبارة
يبدو أن صناعة الحلويات في ألمانيا لا تعيش أفضل أيامها حاليا، حيث وصلت سوقها المحلية إلى درجة التشبع، في حين تراجعت صادراتها بنسبة بسيطة، بعد أن أصبح المستهلكون أكثر اهتماما بالاعتبارات الصحية والجودة عند شراء الحلويات وتناولها.
لهذا لا تبدو النظرة المستقبلية لصناعة الحلوى العالمية جيدة، مع انطلاق أكبر معرض لصناعة الحلويات والوجبات الخفيفة في العالم "آي.إس.إم 2018" في مدينة كولونيا الألمانية الأحد الماضي.
ويقول "باستيان فاسين" أحد مسؤولي اتحاد صناعة الحلوى الألماني "بي.دي.إس.آي"، "إن المنتجين يعملون حاليا في ظل "عرض طلب عملاق" حيث يحدد المستهلكون مذاقهم ورغباتهم"، مضيفا أن "المعروض أصبح متنوعا وواسع النطاق بصورة متزايدة وأصبح دور التسويق مهما".
لكن هذا الوضع يثير القلق بين مختصي قطاع الصحة. ففي ظل تنامي جهود تسويق المنتجات أصبح الأطفال أكثر عرضة "للإغراءات" التي يقدمها المعلنون".
وبحسب "الألمانية"، فقد ذكر فرانز رودلوف إيش مدير مركز أبحاث العلامات التجارية والاتصال في كلية "إي.بي.إس" لإدارة الأعمال في ألمانيا أن "صناعة الحلويات من بين أكبر عشرة معلنين في ألمانيا حاليا".
وبدون تطوير مذاقات جديدة وتقديم منتجات مبتكرة، لن تتمكن شركات صناعة الحلوى من البقاء في ظل الظروف العصيبة التي تواجهها هذه الصناعة.
ويقول إيش "إن معدل فشل المنتجات الجديدة في القطاع الاستهلاكي يزيد على 70 في المائة بعد عام من طرح هذه المنتجات الجديدة يختفي نصفها تقريبا من السوق".
وبالنسبة إلى صناعة الحلوى يرى الأكاديمي الألماني أن سلوكا "مزدوجا" لدى المستهلكين يحكم قرارهم بشأن استهلاك الحلوى، فمن ناحية أصبح المستهلكون أكثر اهتماما بالاعتبارات الصحية، ومن ناحية أخرى فإنهم ما زالوا يحبون تناول الحلويات.
ويضيف "لا شك أن المستهلكين يدركون أن الحلويات تحتوي على سكريات ودهون وألوان صناعية، لكن العاطفة تتغلب على العقل أثناء التسوق في المتجر، لذلك فالمسؤولية عن اختيار نوعية التغذية تقع في النهاية على عاتق المستهلكين أنفسهم، في الوقت نفسه فإن كثيرا من المنتجين بدأوا يقدمون منتجات تحتوي على كميات سكر أقل، مع الدفع في اتجاه أساليب الزراعة المستدامة لمستلزمات الصناعة والتجارة العادلة، كما أنهم يركزون على تلبية احتياجات الذين يعانون من الحساسية لبعض العناصر الغذائية أثناء تطوير منتجاتهم".
وخلال فاعليات الدورة الحالية من معرض "آي.إس.إم" تقدم شركات الحلويات شيكولاتة خالية من سكر اللاكتوز والحلوى المصنوعة من الفاكهة فقط ومقرمشات الأناناس والكاري منخفضة الدهون واللوز المحمص الخالي من السكر.
كما تعرض الشركات العلكة "اللبان" المصنوعة من الفواكه والخالية من الجيلاتين، مع تقليل نسبة الملح في المنتجات بهدف جذب المستهلكين سواء الصغار أو الكبار.
ويرى إيش أن كثيرا من المنتجين يركزون على الأطفال باعتبارهم شريحة مستهدفة مهمة وهو ما لا يمثل مفاجأة للمتعاملين في سوق الحلويات، مشيرا إلى أن الأطفال يمكنهم شراء الحلويات بنفسهم ومن مصروفهم الشخصي، كما أن تأثيرهم رئيسي في قرار شراء الآباء مثل هذه المنتجات، وأخيرا لأنهم سيكونون عملاء الغد المباشرين.
ولكن "توبياس إيفرتس" الأستاذ في معهد القانون والاقتصاد في جامعة هامبورج الألمانية يحذر من المخاطر الصحية الناجمة عن استهداف الأطفال بإعلانات الحلويات، لافتا إلى أن كثيرا جدا من الحلويات يتجه إلى الأطفال "وإعلاناته تخاطب بشكل أساسي الأطفال".
ومن بين المنتجات الجديدة التي تشهدها الدورة الحالية لمعرض "آي.إس.إم" السماح للأطفال بتشكيل الدببة الخاصة بهم باستخدام منتجات صمغية ومصاصات تستخدم لطباعة الوشم، مع لبان دراكولا، وهي كلها منتجات تستهدف الأطفال.
وينتقد إيفرتس الذي أجرى دراسة لمصلحة شركة "أيه.أو.كيه" للتأمين الصحي العام، استهداف الأطفال بصورة متكررة وقوية من جانب المعلنين عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بصورة متزايدة.
ويقول إيفرتس في تصريحاته "على صفحة أحد المنتجات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر شخصية كرتونية تتحدث إلى الأطفال مباشرة. وكل شيء على الصفحة زاهي اللون مع موسيقى، مع سحب للفوز بجوائز. ويمكن أن توجد على الصفحة شخصية كوميدية تلتهم قطعة من الشيكولاتة ثم تلمع عيونها بعد ذلك وتتحول الشخصية إلى سوبرمان، وعندما يضغط الطفل على رمز الإعجاب على الصفحة يتم إرسال الصفحة إلى أصدقائه الآخرين لتزداد أرباح الشركات.
من ناحيته يشدد فاسين على أن المنتجات الحالية إلى جانب المنتجات الجديدة تستهدف كل العملاء وليس صغار السن فقط، وتشير الإحصائيات إلى أن الصغار والكبار يحبون الحلويات ويقبلون عليها. وبحسب تقديرات اتحاد صناعة الحلويات الألماني "بي.دي.إس.آي" فإن معدل استهلاك الحلويات والوجبات الخفيفة والمثلجات في ألمانيا وصل خلال العام الماضي إلى 31 كيلو جراما لكل مواطن سنويا، وهو ما يعادل نحو 5 في المائة من إجمالي استهلاك الأغذية في ألمانيا الذي وصل إلى 670 كيلو جراما سنويا لكل فرد.
ويرى فاسين أن أغلب شركات صناعة الحلويات تلتزم بشكل طوعي بعدم بث إعلانات تستهدف الأطفال الأقل من 12 عاما، ولكن إيفرتس" ينفي هذا الطرح.
ويقول إيفرتس "إن الشركات تستخدم كل الأدوات الإعلانية، وإن الهدف الأساسي لمورد الأغذية غير الصحية هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الإيرادات".
ويحتل الأطفال حيزا رئيسيا من اهتمام هذه الشركات، دون أن يعني ذلك حرص الشركات على تقييم كل شيء بالصورة المناسبة، وأضاف إيفرتس "من الأفضل أن تتجه الإعلانات إلى الآباء، ويجب حظر حملات التسويق التي تستهدف الأطفال مباشرة".