المجنون أبو دفتر
"سلطان الغنامي" كثيرون قد لا يعرفون هذا الاسم، وهو ليس ذنبه ولا ذنبهم، فهو البعيد عن "الضوء" برغبته رغم بحث "الضوء" الدائم عنه، شاعر عظيم ومن القلة الذين يكتبون الشعر المجدد بكل خصائصه (المفردة، الفكرة، المعنى، التركيب البنائي)، نحى بنفسه باتجاه الشعر فقط، يكتبه لنفسه ويعرضه على من يحبهم ويحبونه لتبادل الآراء فقط لا البحث عن إشادة هو في غنى عنها.
حاول كثيرون استمالة هذا الشاعر للحصول على نصوصه ونشرها كسبا لقرائهم، وأنا بكل فخر منهم، إلا أنني كلما زاد بحثي عنه، أيقنت أنه من الكائنات التي آمنت بأن الضوء لا ينير فقط، بل قد يحرق ويقتل أيضا! ولذلك قل حماسي كثيرا واكتفت ذائقتي بقراءته والتلذذ بما يكتب.
يقول سلطان في إحدى قصائده التي قرأتها أخيرا:
واكتب على الجدران:
بيت الطفولة "خيش"!
والملح خان العيش
والعصر.. والإنسان..
إن البشر في خسر
ما دام هـ "الأطفال".. باعوا سياكلهم..
لا "الجوع"... ياكلهم!!
إنساني وشفاف وسهل الوصول إلى شارع الشعر "النظيف"، يغزل على دفاتره "الخاصة" همُّ "العامة"، ويغازل "الوطن" بالمعنى الأسمى له، محولا ذرات ترابه إلى تبر يكرمه السامع لقصائده التي تحاكي همه وهموم الناس. سلطان الغنامي من أجمل صفحات الشعر التي قرأت، بعد قراءته كثيرا عرفت أنه لم يكتب نفسه في هذه الصفحة، إلا بعد أن قرأ أجمل الصفحات التي سبقته في الدفتر، لذلك هو دائما "مدهش"، رغم ارتباطه الكبير بالآخر الإنسان الذي يشاركه الحياة، وهو الأمر الواضح بتجل في قصائده.
"المجنون أبو دفتر" كما يسميه أصدقاؤه في الصغر، قادر على تحديث مفاهيم الناس عن الشعر والشعراء فيما لو طرح نفسه كتجربة مكثفة التواجد، إلا أنه يرفض هذا التواجد، ويريد أن يكون حرا طليقا يكتب لأنه يريد أن يكتب، دون تأثير من أي عامل من عوامل الإعلام الشعري في الخليج، والتي كانت خاطئة للأسف!