رسوم متحركة سعودية عالمية تنهي عقدة المحتوى الغربي

رسوم متحركة سعودية عالمية تنهي عقدة المحتوى الغربي
رسوم متحركة سعودية عالمية تنهي عقدة المحتوى الغربي

ترتبط ذاكرة الأطفال في العالم عادة بالأفلام والرسوم المتحركة المدبلجة، التي لقيت نجاحا لا مثيل له في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلا أن ذلك النجاح يقابل اليوم بنظرة الترقب، بعد هفوات وفجوات في الأفكار والمحتوى تعرضت لها المسلسلات الكرتونية الحديثة، ما فجر أزمة ثقة فيها، وفتح باباً للمطالبة بمحتوى إبداعي سعودي يضاهي بجودته مثيلاتها العالمية.

أداة «ناعمة»

تتطور صناعة الرسوم المتحركة بشكل مذهل يوماً تلو الآخر، إلا أن الذاكرة دائماً تعود بنا إلى الأفلام والرسوم البسيطة، بمحتواها المسلي والممتع، مثل "الكابتن ماجد"، ومسلسلات الصياد الصغير، ماوكلي، سندباد، عدنان ولينا، لحن الحياة، روبن هود، مغامرات كالميرو، سانشيرو، سالي، ساندي بيل، هايدي، مغامرات نحول، إضافة إلى فاكهة الشاشة دائماً وأبداً "توم وجيري".
رغم التطور المتنامي، إلا أن الإسهامات العربية في هذا الميدان ضئيلة، ينصب معظمها على الدبلجة، في حين يتضمن التراث العربي كثيرا من القصص وسير الأبطال التي تستحق أن تروى.
ومرد ذلك يعزوه البعض إلى عدم الانتباه إلى مدى خطورة الغزو الثقافي والفكري الذي تمثله الرسوم المتحركة على الأطفال، فدول العالم تسعى من خلال الأفلام والرسوم إلى السيطرة على عقول الأطفال من سن مبكرة، باعتبارها إحدى أدوات "القوى الناعمة".
فعلى سبيل المثال، اهتمت أفلام "ديزني" بإظهار "باباي" بمظهر جندي المارينز البطل، الذي يتناول السبانخ فيزيد قوة، فكان الأطفال يتلقفون هذه الفكرة بانبهار، وشركات أخرى اهتمت بتقديم صورة البطل "رامبو"، وسط أفلام عربية وآسيوية فقيرة فنياً، تفتقد للحبكة والتقنيات أو الفكرة المشوقة.

طاش ما طاش «كرتوني»

في المملكة، كان إنتاج أفلام الكرتون والرسوم المتحركة شحيحاً للغاية، لما تواجهه هذه الصناعة من تحديات وعوائق، مثل وجود التقنيات الملائمة، وجودة الفكرة والنص والرسوم، والتكاليف الإنتاجية العالية.
ولعل من أبرز الرسوم المتحركة التي أنتجت سعودياً مسلسل "المصاقيل"، الذي عرض في جزئه الأول عام 2011م، ولقي نجاحاً دفع أصحاب الفكرة لإنتاج جزءين آخرين عامي 2012 و2013، ويتناول المسلسل الكوميدي تفاصيل في حياة أشخاص يعيشون في البادية، ورغم ذلك يسعون دائماً إلى التطور، وتحاول العولمة والأجهزة الحديثة أن تغير من واقعهم، وحتى أحاديثهم.
الحلقة الواحدة كانت لا تتجاوز 15 دقيقة، إلا أن المسلسل، الذي أخرجه صاحب الفكرة مؤيد زيدان، وجد نجاحاً ونسبة مشاهدة عالية على قنوات (MBC)، بعد أن شارك فيه نخبة من الفنانين مثل مشعل المطيري، ريماس منصور، محمد وأسامة القس، ماجد مطرب، دريعان الدريعان، طارق الحربي ونجوم آخرين.
شهد عام 2012 أيضاً إطلاق مسلسل "طيش عيال"، أو ما اعتبره البعض النسخة الكرتونية من مسلسل "طاش ما طاش" الشهير، لاجتماع الشخصيتين المحبوبتين ناصر القصبي وعبدالله السدحان في دور "سعيدان وعليان"، ويجسدان شخصيتين في الـ 12 و13 من العمر، نشآ في الأزقة الشعبية لمدينة الرياض، ويتسكعان سوياً وسط مواقف كوميدية ممتعة، مليئة بالتجارب الصبيانية، ونجحا في معالجة بعض القضايا في المجتمع السعودي دون اختراق الخطوط الحمراء، أو الإساءة لفئة دون أخرى.
"طيش عيال" أعاد للأذهان النجاح التلفزيوني لناصر القصبي وعبدالله السدحان، خصوصاً أن المسلسل، الذي عُرض على قناة (MBC)، استعان ببعض الفنانين الذين شاركوا في "طاش"، مثل فهد الحيان، حبيب الحبيب، علي المدفع، وسط تكهنات تشير إلى احتمالية عودة "طاش" بحلة جديدة بعد انقطاع لأعوام.
بدورها كانت الرسوم المتحركة ذات النفس الدعوي الإسلامي حاضرة خلال السنوات الماضية، من خلال مسلسل "الراوي"، وهو مسلسل درامي نُفذ باللغة الفصحى على مدى 30 حلقة، وقد بث على قناة بسمة للأطفال، إحدى قنوات شبكة المجد، وقد تكون التجربة الوحيدة المتكاملة لمسلسل كرتوني سعودي يتحدث باللغة الفصحى.

مخرج "كونان" ومؤلف "بوكيمون" في السعودية

بحسب ما استعرضته "الاقتصادية"، تبدو لائحة مسلسلات الرسوم المتحركة السعودية قصيرة للغاية، فيما كان لمؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (مسك الخيرية) دور حيوي في إنتاج أفلام أنيمشن ورسوم متحركة سعودية، وذلك من خلال شركة "مانجا" للإنتاج التابعة لها، إذ استقطبت أخيرا المخرج الياباني العالمي "كوبون شيزونو"، مخرج مسلسل "المحقق كونان"، للعمل السينمائي المقبل بالرسوم المتحركة المشترك بين شركة "مانجا" وشركة "توئي أنيميشن" اليابانية.
كما استقطبت الشركة كاتب السيناريو "أتسوهيرو توميؤكا"، مؤلف سلسلة "بوكيمون" الشهيرة، ليتولى كتابة السيناريو للقصة التي تمت كتابتها وإعداد رسوماتها المبدئية في السعودية.
بحسب تصريح صحافي للدكتور عصام أمان الله بخاري الرئيس التنفيذي لـ "مانجا" للإنتاج، فإن الفيلم المشترك ستكون مدته نحو 100 دقيقة، ويستهدف دور السينما السعودية وعدداً من الدول حول العالم، بما فيها اليابان، ومن المخطط عرضه في عام 2020، مؤكداً أن فكرة الفيلم السعودية وأسلوب الطرح الجديد النابع من حضارتنا من أهم أسباب حماس المخرج شيزونو والكاتب توميؤكا في العمل في هذا المشروع.
لكن فيلماً كبيراً كهذا؛ من شأنه أن ينقل الخبرة والمعرفة إلى المواهب السعودية، حيث سيأخذ فريق العمل لقطات مرجعية من البيئة السعودية، فيما سيعمل الشباب السعودي إلى جانب اليابانيين في استوديوهات طوكيو، ما سيجعل الأفلام التالية أكثر إتقاناً، بفضل الخبرات المكتسبة، وعليه، تحقيق أرباح تجارية.

خطوة واحدة لا تكفي

ليس بخافٍ أن خطوة (مسك) إيجابية في الاتجاه الصحيح، إلا أنها تحتاج إلى خطوات أخرى مساندة من شركات الإنتاج السعودية، في ظل شبه "سيطرة" للرسوم المتحركة المستوردة من الغرب، وما تبثه من محتوى قد لا يناسب في بعض الأحيان طبيعة المجتمعات العربية.
الجدير بالذكر أن بعض القنوات التلفزيونية الموجهة للأطفال واجهت فيما مضى هجوماً من مغردين على موقع "تويتر"، بعد بث لقطات اعتبرت غير لائقة، وأخرى تناقش أفكاراً لا تناسب الطفل العربي والبيئة المحافظة التي يعيش فيها، لتشكل المحاولات الأخيرة لإنتاج رسوم متحركة إبداعية بمحتوى سعودي مبادرة مبشرة، من شأنها أن تعيد الثقة بالمحتوى والإنتاج الكرتوني العربي، وتدفع بالإبداعات السعودية نحو العالمية.

الأكثر قراءة