التدفقات الائتمانية تكشف عن بوادر الأزمة

تزداد احتمالات الهبوط الاقتصادي الحاد عندما تتدفق نسبة متنامية من الائتمان إلى الشركات الأكثر خطرا، طبقا لدراسة جديدة أصدرها الصندوق
وتعلم الأجهزة الرقابية التي تتابع صحة النظام العالمي أن تراكم الديون بسرعة أثناء فترات الرواج الاقتصادي يمكن أن تنشئ مشكلات فيما بعد. ولهذا تحرص هذه الأجهزة على مراقبة حجم الائتمان الكلي في الاقتصاد. وحين تسرف الشركات في الاقتراض، قد تقرر الأجهزة الرقابية والتنظيمية فرض قيود على النمو الائتماني.
والمشكلة هي أن هناك أمرا مهما يتم إغفاله عند قياس حجم الائتمان، وهو مقدار ما يتدفق من هذه القروض الإضافية إلى الشركات الأخطر – أي الأرجح أن تعجز عن السداد في أوقات العسر – مقارنة بالشركات الأخرى ذات الجدارة الائتمانية. ويسعى آخر عدد أصدره الصندوق من تقرير الاستقرار المالي العالمي، إلى سد هذه الفجوة بإنشاء مقاييس تحدد مدى خطورة تخصيص الائتمان، الأمر الذي يُنتظر أن يساعد صناع السياسات على رصد الغيوم في الأفق الاقتصادي.
وقد درس باحثونا بيانات تغطي 25 عاما عن الشركات غير المالية في 55 اقتصادا صاعدا ومتقدما. وخلصوا إلى أن الشركات الأسرع في مراكمة الديون تزداد خطرا في فترات النمو الائتماني السريع، مقارنة بالشركات الأبطأ. وبدورها، تشير هذه الزيادة في مخاطر تخصيص الائتمان إلى ارتفاع احتمالية حدوث هبوط اقتصادي حاد أو أزمة مصرفية في غضون فترة تصل إلى ثلاث سنوات.
جرعة زائدة
ومع تراكم القروض التي تحصل عليها الشركات الأقل نسبيا في مستوى الجدارة الائتمانية، تضاف جرعة زائدة من المخاطر – إضافة إلى المخاطر التي قد تنشأ عن سرعة نمو الائتمان ككل. وبالطبع، قد يكون إقراض الشركات الخطرة أمرا عقلانيا تماما ومربحا إلى حد كبير. لكنه قد ينشئ مشكلات أيضا إذا كان نتاجا لعملية فحص ضعيفة لجدارة المقترضين أو كان انعكاسا للإفراط في تحمل المخاطر.
ولحسن الحظ، يمكن للأجهزة التنظيمية اتخاذ خطوات لحماية النظام المالي، عند الضرورة. فيمكنها إلزام المصارف بحيازة مزيد من رأس المال أو فرض حدود لنمو القروض المصرفية، ما يكبح قدرتها على تحمل المخاطر ويعزز هوامشها الوقائية. ومما يمكن أن يساعد أيضا في إحكام السيطرة على المخاطر ضمان استقلالية أجهزة الرقابة المصرفية، وإنفاذ معايير الإقراض، وتعزيز حوكمة الشركات عن طريق حماية المساهمين أصحاب أسهم الأقلية.
ولماذا يزداد تدفق الائتمان إلى الشركات الأخطر في أوقات الرخاء؟ قد يرجع ذلك إلى إفراط المستثمرين في التفاؤل إزاء آفاق الاقتصاد في المستقبل، ما يقودهم إلى إقراض الشركات الأضعف. وإذا كانت أسعار الفائدة منخفضة بدرجة غير معتادة، قد يصبح ذلك حافزا للمصارف والمستثمرين على تقديم أموال – في صورة قروض أو سندات – للشركات الأخطر التي تدفع أسعار فائدة أعلى نسبيا. وقد رأينا هذا النمط من "البحث عن العائد" في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات الأخيرة بسبب طول فترة الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة. وبالتالي يمكن أن تكون مخاطر تخصيص الائتمان مؤشرا جيدا لمدى الإقبال على تحمل المخاطر.

نمط عالمي
خلصت دراستنا إلى وجود نمط عالمي واضح في تطور هذا المقياس الجديد للهشاشة المالية. فبعد المستويات المرتفعة التي بلغتها مخاطر تخصيص الائتمان في أواخر التسعينيات، عادت إلى الانخفاض من 2000 إلى 2004، عقب الأزمتين الماليتين في آسيا وروسيا وفقاعة أسهم شركات الإنترنت "دوت كوم". ومن مستوياتها المنخفضة التاريخية في 2004، ارتفعت المخاطر إلى مستوى الذروة في 2008، حين تفجرت الأزمة المالية العالمية، ثم شهدت هبوطا حادا قبل أن ترتفع من جديد إلى مستويات مقاربة لمتوسطها التاريخي في نهاية 2016، العام الذي يمثل آخر نقطة لتوافر البيانات. وربما تكون المخاطر قد واصلت الارتفاع في 2017 مع استمرار الانخفاض الشديد في تقلب الأسواق وأسعار الفائدة في الاقتصاد العالمي.
ويحمل تقرير الاستقرار المالي العالمي درسا واضحا لصناع السياسات والأجهزة التنظيمية يتلخص في أهمية حجم الائتمان الكلي ومخاطر تخصيصه. ذلك أن فترات النمو الائتماني السريع من المرجح أن تتبعها فترات من الهبوط الاقتصادي الحاد إذا استمر تدفق الائتمان إلى الشركات الأخطر. وينبغي لصناع السياسات مراقبة هذين المقياسين عن كثب – واتخاذ الخطوات المناسبة عندما تظهر إشارات التحذير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي