الوطنية .. كيف نُعلمها لأبنائنا
الوطنية انتماء تهتم به الدول وتحرص على غرسه في أبنائها منذ الصغر، ولكل دولة يوم تاريخي تعتز به وتحتفل بقدومه كل عام وتعتبره يوم الوطن الذي جمع ويجمع أبناء الوطن تحت مظلة واحدة. فكيف يا تُرى تفهم الشعوب انتماءها الوطني، وكيف تميزه عن انتماءاتها الأخرى, ثُم، كيف نفهم نحن في المملكة العربية السعودية انتماءنا الوطني، وكيف نعلّمه لأبنائنا، ونغرس فيهم حب الوطن، ليس فقط كشعور بالانتماء، بل كقناعة ترسخ في النفوس أيضاً؟
على الرغم من أن الوطنية أمر قائم ومُسلم به كحقيقة من خلال حقيقة وجود الدول، إلا أن الأفكار بشأن هذه الوطنية تخضع دائماً للحوار والنقاش، خصوصاً في المناسبات. ومن ذلك على سبيل المثال مناسبة انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي يحرص فيها المرشحون على إبراز انتمائهم الوطني. وقد أبرزت مجلة "تايم" الأمريكية موضوع الوطنية الأمريكية في أحد أعدادها الأخيرة، ودعت كلا من المرشحين للرئاسة "ماكين" و "أوباما" إلى الكتابة حول مفهومهما للوطنية.
في تقديمه لما طرحه المرشحان قال الكاتب "بيتر بينارت" إن للوطنية بُعدين: بُعد يرتبط بالولاء للماضي، وبُعد آخر يتعلق بالنظر إلى المستقبل. والمعنى هنا أن الماضي يستحضر التاريخ الذي جعل الوطن حقيقة واقعة، ويسترجع أيضاً العيش المشترك لأبناء الوطن تحت مظلة واحدة بعد ذلك. ويُضاف إلى هذا المعنى معنى آخر يتلخص في أن هناك مُستقبلا مُشتركا لأبناء الوطن، عليهم جميعاً أن يُسهموا في جعله مُشرقاً، لما في ذلك من خير يعم على الجميع. وهكذا نجد أن البُعد الأول للوطنية، كما طرحه الكاتب، يُركّز على الجانب العاطفي للوطنية، وأن البُعد الثاني يهتم أكثر بالجانب العقلاني منها.
في مقاله عن الوطنية، تطرق المُرشح "ماكين" إلى محبة الوطن التي تُمثل الجانب العاطفي من الوطنية، وبيّن أن "المواطنة الصالحة" هي خير تعبير عن محبة الوطن. وتقرن هذه المواطنة بين حقوق المواطن على الوطن من جهة، وبين واجباته تجاه الوطن وتقدمه من جهة أخرى. وبذلك أعطى "ماكين" مُعادلة عقلانية للجانب العاطفي توازن بين حقوق المواطن وواجباته.
أما المُرشح "أوباما" فقام بطرح مفهوم الوطنية من خلال فكرة العيش المشترك في مجتمع متعدد الأعراق والعقائد. وركز في هذا الإطار على مسألتي: المساواة في الحقوق والواجبات من جهة، والإخلاص في العمل من جهة أخرى. وبالطبع لا يتعارض ما طرحه "أوباما" مع ما قدمه "ماكين". فالمساواة والإخلاص اللذان أبرزهما "أوباما" عناصر مهمة للمواطنة الصالحة التي طرحها "ماكين".
الأفكار السابقة حول الوطنية جاءت من شخصيات أمريكية حول الوطن الأمريكي. وقد يكون هذا الوطن الأمريكي من أكثر الأوطان تعقيداً بسبب الانتماءات المتعددة لمواطنيه. فهم ينتمون إلى أديان مُختلفة، وأعراق مُختلفة، وجذور وطنية سابقة ومختلفة، ولغات أصلية مُختلفة. ومع ذلك هناك دار واحدة وعيش مُشترك يجمعهم: هناك حدود جغرافية لدارهم، وقانون واحد يطبق عليهم، وبيئة مهنية واقتصادية تحركهم، إضافة إلى مصير واحد لهم ولأبنائهم.
وإذا نظرنا إلى وطننا، المملكة العربية السعودية، نجد أننا كمواطنين فيه ننتمي إلى الدين الإسلامي الحنيف كإخوة لنا في شتى أنحاء دول العالم الإسلامي؛ ثُم ننتمي أيضاً إلى اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، كإخوة لنا في مُختلف أنحاء العالم العربي. وقد يكون بيننا اختلافات في الانتماءات الجغرافية أو القبلية. لكننا نعيش، عيشاً مُشتركاً واحداً، في دار واحدة، مصيرنا فيها واحد. وعلى ذلك علينا أن نهتم بوطننا المشترك، وأن نخلص في عملنا لإعلاء شأنه، ففيه مُستقبلنا الذي نتطلع إليه ليكون مُشرقاً لنا وللأجيال القادمة من بعدنا, بإذن الله.
ليس الوطن وثناً، فنحن مؤمنون بالله العلي القدير، لكن الوطن دار مُشتركة علينا المحافظة عليها وتعليم أبنائنا ضرورة الحرص عليها وعلى مستقبلها وتقدمها ومكانتها بين الأمم، ليس بالأقوال فقط، بل بالقناعة والأفعال.