الاقتصاد السعودي يبحر وسط اقتصاد عالمي يكتنف أداءه الغموض

الاقتصاد السعودي يبحر وسط اقتصاد عالمي يكتنف أداءه الغموض

تشير التوقعات إلى احتمال حدوث انخفاض في التضخم المستورد في دول الخليج خلال عام 2008 نتيجة لترقب حدوث ارتداد في قيمة الدولار. ومع ذلك يرى كثير من المحللين أن دول الخليج في حاجة ماسة إلى تخفيف الارتباط بالدولار باعتباره أهم أسباب التضخم. ومن ثم فإن التوقعات بمراجعة بعض دول المجلس سياسة ربط عملاتها بالدولار تبقى قائمة وبقوة خلال عام 2008. وعلى الرغم من توقعت البنك الدولي أن تشهد معدلات النمو في دول الخليج عام 2008 تراجعا طفيفا لتصل إلى 5.2 في المائة مقابل 5.7 في المائة عام 2007 إلا أن عديدا من المؤشرات تصب في عكس اتجاه هذه التوقعات. هنا تقرير أعده مجلس الغرف السعودية حول اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2008.

على الرغم من توقعات البنك الدولي أن تشهد معدلات النمو في دول الخليج عام 2008 تراجعا طفيفا لتصل إلى 5.2 في المائة مقابل 5.7 في المائة عام 2007 إلا أن العديد من المؤشرات يصب في عكس اتجاه هذه التوقعات, وفي مقدمتها الارتفاعات المتتالية في أسعار النفط التي حدثت خلال الفترة المنقضية من عام 2008, وتوقعات استمرار هذه الارتفاعات خلال الفترة المقبلة, إضافة إلى العديد من المتغيرات الأخرى, خاصة زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية على دول المنطقة, وهذا يرجح التوقعات بأن تشهد اقتصادات دول مجلس التعاون عام 2008 المزيد من النمو والازدهار الاقتصادي, مدفوعة بتلك العوائد النفطية المرتفعة والسياسات المالية التوسعية التي تركز على تنفيذ مشاريع البنية التحتية العملاقة, إضافة إلى نمو القطاع الخاص الذي أخذ دورا مهما في اقتصادات المنطقة.
الجدير بالذكر أن الازدهار الاقتصادي في دول المجلس ستمتد آثاره لتشمل الدول العربية الأخرى غير المنتجة للنفط التي ستستفيد من تدفقات الرساميل الخليجية إليها في ظل ارتفاع السيولة وبحث أصحابها عن فرص استثمارية خارج دول المجلس, علاوة على زيادة التحويلات للعاملين في دول الخليج إلى بلدانهم, هذا بجانب ازدهار حركة السياحة العربية البينية.
من ناحية أخرى, أكد تقرير لبنك جولدمان ساكس أن نصيب الفرد الخليجي من الناتج المحلي الإجمالي سيصل إلى 78800 دولار عام 2050, ما سيؤدي إلى اختفاء فجوة الدخل بين بلدان دول الخليج ومجموعة السبع الصناعية, إلا أن التقرير حذر من ازدواجية النمو في المنطقة, المتمثلة في وجود أقطاب فائقة الحداثة على نمط دبي مع استمرار قلة الكفاءة والهدر في الاستغلال العام للموارد في بعض الدول العربية.
على صعيد آخر, حقق معظم موازنات دول المجلس فوائض ضخمة عام 2007 تجاوزت المقدر لها بسبب العوائد النفطية, وأوضحت أرقام هذه الموازنات حجم التحديات التي تواجهها هذه الدول عموما فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين زيادة المصروفات والاستثمارات الحكومية والعمل على مواجهة مشكلة التضخم الآخذة في التفاهم في دول المجلس.

معدلات التضخم

ارتفعت معدلات التضخم في معظم دول المجلس لتسجل مستويات غير مسبوقة عام 2007, حيث وصل معدل التضخم في الكويت إلى نحو 6.2 في المائة رغم قرار الكويت بفك الارتباط بين الدينار الكويتي والدولار خلال عام 2007, وفي السعودية وصل إلى 6.5 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) ليشكل 3.1 في المائة كمتوسط لعام 2007, وفي عُمان بلغ نحو 5.98 في المائة وفي الإمارات بلغ نحو 9.3 في المائة وفي قطر نحو 12 في المائة ويوضح الجدول رقم (4) تطور معدلات التضخم في دول المجلس من عام 2004 إلى عام 2007.
واتخذت دول المجلس العديد من الإجراءات لكبح جماح التضخم, ففي الكويت فك ارتباط الدينار بالدولار وربطه بسلة عملات يتم على أساسها السماح للدينار بالارتفاع والانخفاض حسب تغير أسعار الصرف, في الوقت نفسه ما زالت بقية دول المجلس تتمسك بربط عملاتها بالدولار, كما قامت بعض هذه الدول بزيادة الدعم الحكومي لبعض المواد الغذائية وتشديد الرقابة على الأسواق لمنع الزيادة غير المبررة في الأسعار كما في حالة السعودية, كما أعلنت دبي خفض سقف زيادة الإيجارات من 7 في المائة إلى 5 في المائة, حيث طبق السقف الجديد اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2008, وذلك لأن ارتفاع الإيجارات يعد السبب الرئيس لارتفاع معدلات التضخم في دول المجلس, أيضا أعلن بعض دول المجلس زيادة في الرواتب لمواجهة ارتفاع الأسعار ومنها الإمارات والكويت.
وتشير التوقعات إلى احتمال حدوث انخفاض في التضخم المستورد في دول الخليج خلال عام 2008 نتيجة ترقب حدوث ارتداد في قيمة الدولار، ومع ذلك يرى كثير من المحللين أن دول الخليج في حاجة ماسة إلى تخفيف الارتباط بالدولار, باعتباره أهم أسباب التضخم, ومن ثم فإن التوقعات بمراجعة بعض دول المجلس سياسة ربط عملاتها بالدولار تبقى قائمة وبقوة خلال عام 2008.

أسواق الأسهم

شهدت أسواق الأسهم الخليجية انتعاشا ملحوظا خلال عام 2007 مقارنة بعام 2006, التي تكبدت فيها الأسواق الخليجية خسائر قدرت بنحو 442 مليار دولار, وجاء على رأس هذه الأسواق السوق العُمانية التي حافظت على أفضل أداء لها للعام الثاني بنسبة 62 في المائة ثم تلتها سوق أبو ظبي 45 في المائة, ثم السوق السعودية بنسبة 41 في المائة. الجدير بالذكر أن الشائعات التي جرت عن هروب مستثمرين أجانب من بعض البورصات في المنطقة بسبب أزمة الرهن العقاري التي ضربت الأسواق العالمية لم تؤثر في أسواق المال الخليجية.
من ناحية أخرى, أسهمت مجموعة من العوامل في انتعاش البورصات الخليجية، منها: جاذبية أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة بعد تعرضها لموجات تصحيح, علاوة على التأثير الإيجابي لارتفاع أسعار النفط, وتوافر سيولة كبيرة، تدفق جزء كبير منها إلى أسواق الأسهم, إضافة إلى الانخفاضات المتوالية لأسعار الفائدة على الودائع بالعملات المحلية في ظل تراجع الفائدة على الدولار.
وتشير التوقعات إلى أن تشهد أسواق الأسهم في المنطقة مزيدا من التحسن عام 2008, حيث يتوقع أن يكون الارتفاع في هذه الأسواق أكثر استقرارا ومدعوما بنتائج مالية جيدة لكبريات الشركات المدرجة في هذه الأسواق.
على صعيد القطاع المصرفي أكدت دراسات مصرفية أن المصارف الخليجية مؤهلة تلقائيا للتعامل مع اتفاقية (بازل 2) التي دخلت حيز التنفيذ عام 2008, حيث تجاوزت هذه المصارف نطاق المحلية لتأخذ الصبغة العالمية ما يسهل عليها الوفاء بمتطلبات الاتفاقية. وعلى النقيض من ذلك فإن المصارف الصغيرة ستكون مهددة في ربحيتها ولا يوجد أمامها خيار سوى الاندماج والاستحواذ من أجل تعزيز قدرتها التنافسية. وفي هذا الإطار حث محافظ البنك المركزي الكويتي المصارف الوطنية الخليجية على تبني عمليات الاندماج واتخاذ إجراءات عملية في هذا الاتجاه لمواجهة ظاهرة العولمة وما يصاحبها من تكتلات مالية قوية.
من ناحية أخرى, توقع محللون أن يشهد عام 2008 قفزة كبيرة في حجم الأقساط التأمينية في دول الخليج لتصل إلى 50 في المائة, وطالبوا بإعادة النظر في التشريعات والقوانين التي تنظم قطاع التأمين في دول المجلس, خاصة في ظل التوقعات بأن يشهد عام 2008 منافسة قوية نظراً لوجود عدد كبير من شركات التأمين المحلية والعالمية والإقليمية, الأمر الذي يستدعي رفع القدرة التنافسية لشركات التأمين الخليجية من خلال الاندماج والاستحواذ.

العمل الاقتصادي الخليجي المشترك

شهد الأول من كانون الثاني (يناير) 2008 انطلاق السوق الخليجية المشتركة, مع تأكيد دول المجلس أنه لا يوجد تغيير في موعد تحقيق الوحدة النقدية المقرر لها عام 2010, وذلك وسط توقعات بأن تتحول دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى القوة الاقتصادية السادسة في العالم من حيث الصادرات, التي ستصل طاقتها الإجمالية وفقا لمنظمة التجارة العالمية إلى نصف تريليون دولار, وفي إطار ذلك ذكر الأمين العام لمجلس التعاون أن السوق المشتركة ستعزز الاستثمارات والتبادل التجاري في الدول الأعضاء, وستحسن موقع المجلس في مفاوضاته مع المجموعات الاقتصادية المختلفة.
وعلى طريق تفعيل هذه السوق بدأت دول المجلس اتخاذ بعض الإجراءات من أبرزها تصنيف السلع المقيدة والمحظورة في دول المجلس, وترجمة أسماء السلع إلى الإنجليزية, والاتفاق على التعرفة الموحدة, والقضاء على الاختلالات التي كانت تحد من التطبيق الفاعل لقواعد الاتحاد الجمركي بين دول المجلس ووضع آلية لتقاسم العوائد الجمركية.
وعلى الرغم من المؤشرات والتوقعات الإيجابية التي صاحبت انطلاق السوق الخليجية المشتركة إلا أن هناك تخوفا من قبل بعض رجال الأعمال في منطقة الخليج من تأخر تطبيق الأنظمة والإجراءات بما يتوافق مع أنظمة السوق المشتركة في بعض الدول.

التطورات الاقتصادية المحلية
الأداء الاقتصادي

واصل الاقتصاد السعودي أداءه المتميز خلال عام 2007 مع وجود العديد من المؤشرات التي تؤكد مواصلة الأداء الاقتصادي بالتوتيرة والزخم نفسيهما عام 2008. فقد توقع العديد من التقارير الاقتصادية الدولية استمرار النمو الاقتصادي في المملكة في ظل تواصل الطفرة النفطية حتى عام 2010, مع توقع تحول محفزات النمو من النفط إلى القطاع الخاص, وأن الطلب المحلي سيلعب دور المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي المدفوع بالمشاريع الاقتصادية العملاقة, وتفعيل سياسات الإصلاح الاقتصادي ونمو الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى المملكة. وأشارت البيانات الأولية إلى أن معدل النمو الحقيقي في الاقتصاد السعودي بلغ نحو 3.5 في المائة عام 2007، في حين بلغ 7.1 في المائة بالأسعار الجارية، وهناك توقعات بأن يصل معدل النمو الحقيقي إلى نحو 5.5 في المائة عام 2008.
وحفل عام 2007 بالعديد من الأحداث الاقتصادية المهمة التي تعكس تطور الأداء الاقتصادي، وكان أهمها الإعلان عن إطلاق حزمة من المدن الاقتصادية في مناطق مختلفة من المملكة والبدء في إنشاء مركز الملك عبد الله المالي، وتزايد إنشاء الشركات المساهمة، العامة، وإطلاق خطة 10 × 10 التي تبنتها الهيئة العامة للاستثمار في إطار برنامج التنافسية للوصول بالمملكة لأفضل عشر دول من حيث تنافسية البيئة الاستثمارية، هذا إضافة إلى إطلاق عدد من الجامعات التي تسعى إلى تلبية تزايد احتياجات السوق للعمالة الماهرة، وتواكب التوجه نحو التركيز على الجانب المعرفي في الاقتصاد الوطني.
وانعكست هذه الأحداث بشكل واضح على أغلب مؤشرات الاقتصاد الوطني، مثل نمو النشاط الاقتصادي، وأداء سوق الأسهم التي بدأت في استعادة عافيتها واختراق حاجز 11 ألف نقطة بعد فترة طويلة من الخسائر والتراجع، كما أثر ذلك في تحسن صورة الاقتصاد السعودي في عيون العالم، ونجاحه في تحقيق مراكز متقدمة في العديد من المجالات. والجدول رقم (5) يوضح تطور أهم المؤشرات الاقتصادية الكلية في المملكة حتى عام 2007.
من ناحية أخرى، شهد الاقتصاد السعودي تراجع معدلات البطالة خلال عام 2007 لتصل إلى نحو 8.3 في المائة للذكور، ونحو 24.7 في المائة للإناث، وذلك مقابل 9.11 في المائة للذكور، 26.3 في المائة للإناث عام 2006، أي أن معدل البطالة بين السعوديين تراجع من 12 في المائة عام 2006 إلى 11 في المائة عام 2007، وهناك توقعات بتراجع هذه المعدلات عام 2008 في ظل توقع أن توفر المدن الاقتصادية نحو 1.3 مليون فرصة عمل، وزيادة فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص.

معدل التضخم

رغم فائض الموازنة وتحسن الأداء الاقتصادي وتراجع الدين العام إلى نحو 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مع بداية عام 2008، إلا أن الاقتصاد السعودي عانى طوال عام 2007 وما زال يعاني الارتفاع المتواصل في معدل التضخم الذي وصل مستوى قياسيا خلال عشر سنوات، حيث بلغ نحو 6.5 في المائة وفقا لتقديرات كانون الأول (ديسمبر) 2007. وجاء هذا الارتفاع في معدل التضخم بسبب ارتفاع الإيجارات، وارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل متواصل.
وقد اتخذت الدولة عديدا من الإجراءات للسيطرة على معدل التضخم، تمثل أهمها في قرارات خادم الحرمين الشريفين بدعم عديد من السلع منها الأرز ألف ريال للطن، حليب الأطفال 12 ريالا للكيلو، الشعير 700 ريال للطن، مكونات الأعلاف المستوردة 446 ريالا لطن الدريس، 460 ريالا لمسحوق فول الصويا، 488 ريالا لطن بذرة النخيل، 475 ريالا لطن نخالة القمح، 218 ريالا لطن قشرة دوار الشمس، 219 ريالا لطن نخالة الأرز، و276 ريالا لطن دبس السكر، هذا إضافة إلى قرار الإبقاء على إعفاء بعض السلع المهمة من الرسوم الجمركية، خاصة الأسمنت وحديد التسليح.
ورغم كل هذه الجهود ما زال معدل التضخم يواصل ارتفاعه، وما زالت أسعار عديد من السلع تواصل ارتفاعها، وكان من بينها ارتفاع أسعار الألبان الطازجة المحلية بنسبة 20 في المائة في كانون الثاني (يناير) 2008، ما دفع وزارة التجارة والصناعة إلى أن تحيل هذه القضية إلى مجلس حماية المنافسة للتحقيق مع شركات الألبان بتهمة التواطؤ لرفع أسعار الألبان بشكل جماعي، فيما يعد سابقة في تاريخ المملكة، حيث تعد هي القضية الأولى أمام مجلس حماية المنافسة منذ تشكيله.
على الصعيد نفسه، توقعت وزارة التجارة والصناعة أن عام 2008 سيشهد ارتفاع أسعار عديد من السلع الغذائية بنسبة تراوح بين 20 و30 في المائة، معللة ذلك بارتفاع الأسعار العالمية. والشكل رقم (1) يوضح تطور معدل التضخم في المملكة خلال عامي 2006، 2007.
وفي ظل استمرار الارتفاع في أسعار السلع، خاصة الأساسية منها ارتفعت بعض الأصوات المطالبة برفع الأجور أسوة بما قامت به دول أخرى في المنطقة مثل الإمارات والكويت، وذلك وسط تخوفات من البعض بأن هذا قد يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم. وتأتي هذه المطالبة في ظل تأكيد المملكة في مناسبات كثيرة عدم نيتها فك ربط الريال بالدولار الأمريكي الضعيف، حيث يؤكد كثيرون أنه السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم المستورد من الخارج.

سوق الأسهم

بدأت سوق الأسهم السعودية خلال عام 2007 في استعادة جزء من خسائرها، واتجه المؤشر العام بعد فترة من التذبذبات خلال النصف الأول من عام 2007 نحو تجاوز حاجز 11 ألف نقطة والاقتراب من 12 ألف نقطة، خلال كانون الثاني (يناير). وجاء ذلك نتاج مجموعة من العوامل، كان في مقدمتها أرباح الشركات عام 2007، وزيادة وعي المستثمرين وتراجع نسب تأثرهم بالشائعات، والجهود والإجراءات التي اتخذتها هيئة السوق المالية لتنظيم وضبط السوق والعمل على تعميقه ورفع ثقة المتعاملين فيه.
وقد ارتفع عدد الشركات المتداولة في السوق إلى 109 شركات مقابل 88 شركة عام 2006، وبلغ عدد الأسهم المصدرة نحو 30782 مليون سهم، وعدد الأسهم المتداولة 57785 مليون سهم، وقيمة الأسهم المتداولة نحو 2557712 مليون ريال. واختتم المؤشر عام 2007 عند 11175.96 مليون ريال، وحققت السوق نسبة ربحية سنوية بلغت 40.9 في المائة، وقد بلغ عدد الشركات المطروحة للاكتتاب عام 2007، 26 شركة مقابل عشر شركات عام 2006. وكانت قيمة الإقبال على الاكتتابات 73.8 مليار ريال، بمعدل تغطية بلغ 4.1، في حين بلغ عدد المكتتبين 27.3 مليون مكتتب. والشكل رقم (2) يوضح الاتجاه العام لمؤشر سوق الأسهم عام 2007.
وقد كان من أهم الأحداث التي شهدتها سوق المال عام 2007 إيقاف شركتي بيشة وأنعام، بسبب وصول خسائرهما إلى نحو 95 في المائة من رأس المال، وهو حدث يعد الأول من نوعه في تاريخ السوق، كما تم إدانة مخالفين لنظام السوق المالية بينهم وسطاء للتداول، وتم حجب عدد من المواقع الإلكترونية لأنها تقوم بتضليل المستثمرين. كما تم السماح للخليجيين بتملك الأسهم وتداولها عام 2007, تنفيذا لقرارات الدورة 23 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي, هذا إلى جانب إصدار هيئة السوق المالية اللائحة التنظيمية لعمليات الاندماج والاستحواذ ولائحة صناديق الاستثمار.
ورغم تعرض السوق لخسارة كبيرة في كانون الثاني (يناير) وفقدان المؤشر العام أكثر من ألفي نقطة خلال كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2008 بسبب التأثر بأوضاع أسواق المال الدولية الناجمة عن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة, إلا أن عديدا من المؤشرات توضح أن الظروف مواتية لاستمرار التحسن في أداء سوق الأسهم خلال عام 2008, وذلك في ظل تحسن جميع المؤشرات الاقتصادية الكلية وتحسن ربحية الشركات, خاصة في قطاع المصارف, إضافة إلى توقع طرح 48 إصدارا أوليا خلال عامي 2008 و2009, وإن كان هذا لا يمنع وجود احتمالات حدوث تراجعات تصحيحية في السوق, خاصة إذا تنامى الإدراك لدى المتعاملين بأن الأسهم مقومة بأعلى من سعرها الحقيقي, وإذا حدث تراجع في أسعار النفط.

التجارة الخارجية

واصل حجم التجارة الخارجية السعودية نموه خلال عام 2007, حيث أشار التقرير السنوي لمنظمة التجارة العالمية الصادر في تموز (يوليو) 2007 إلى أن الصادرات السعودية زادت بنسبة 44 في المائة وبذلك احتلت المملكة المرتبة 12 بين دول العالم من حيث الصادرات والمركز الأول بين الدول العربية والإسلامية, ومثلت الصادرات السعودية نحو 2.8 في المائة من إجمالي التجارة العالمية. وفي إطار جهود المملكة لزيادة الصادرات صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة الوطنية للصادرات التي بدأت بالفعل الإجراءات لاستكمال متطلبات قيامها بممارسة عملها والمنتظر أن يبدأ خلال عام 2008.
وتشير التقديرات المبدئية إلى أن تبلغ الصادرات السلعية والخدمية عام 2007 نحو 900758 مليون ريال بنسبة زيادة 6.7 في المائة على العام السابق, وأن تبلغ الصادرات غير النفطية نحو 106820 مليون ريال بزيادة نسبتها 24.9 في المائة على العام السابق, وهو ما يعني أن الصادرات السلعية غير النفطية ستمثل نحو 12.4 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية.
وتشير التحليلات إلى أن سياسات وقرارات خفض وإلغاء الرسوم الجمركية أدت إلى زيادة حجم الواردات بنسبة 20.5 في المائة على العام السابق, وشهد عام 2007 اتخاذ المملكة بعض القرارات التي كان لها تأثيرها في مجال التجارة الخارجية, ومنها تمديد العمل بقرار مجلس الوزراء القاضي بتمديد فترة إعفاء الأسمنت المستورد من خارج دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الرسوم الجمركية, وذلك لمدة سنتين, بدءا من كانون الثاني (يناير) 2008. أيضا اتجهت الدولة إلى خفض كمية شراء الصوامع القمح المحلي بنسبة 12.5 في المائة سنويا, وهو ما سيرفع حجم واردات المملكة من القمح بشكل متراكم خلال السنوات المقبلة, كما يأتي في هذا السياق قرار الوقف التدريجي لصادرات البطاطس والبطيخ وذلك باعتبارهما منتجات زراعية كثيفة الاستهلاك للمياه, وذلك في إطار السياسة العامة لترشيد استخدام مياه الآبار.
على صعيد آخر بدأت المملكة تجني ثمار عضويتها في منظمة التجارة العالمية, وذلك من خلال مفاوضاتها الثنائية مع الدول الساعية للانضمام إلى المنظمة, وفي مقدمتها روسيا, حيث بدأت المملكة تطالب هذه البلدان بعض التسهيلات والإصلاحات التجارية مقابل قبول المملكة لانضمامها إلى المنظمة.
الجدير بالذكر أن المملكة طلبت من المنظمة منحها وضعا تفاوضيا خاصا في مجال الدعم وتخفيض التعرفات على السلع الزراعية في إطار مفاوضات جولة الدوحة, حيث طلبت تخفيض التزاماتها عن التزامات الدول النامية بنسبة 50 في المائة ومنحها خمس سنوات قبل تنفيذ هذه الالتزامات.

الموازنة العامة لعام 2008

شهدت الأيام الأخيرة من عام 2007 إعلان الموازنة للدولة للعام المالي 1428/1429هـ, حيث قدرت الإيرادات بنحو 450 مليار ريال, بينما قدرت المصروفات بنحو 410 مليارات ريال, بما يعني أن الفائض المقدر للموازنة نحو 40 مليار ريال.
وبطبيعة الحال تعد هذه الموازنة هي الكبرى في تاريخ الاقتصاد الوطني, حيث زادت الإيرادات المتوقعة بنحو 50 مليار ريال وارتفعت المصروفات المقدرة بنحو 30 مليار ريال وتضاعفت فائض الموازنة التقديري مقارنة بالعام السابق.
الجدير بالذكر أن ميزانية عام 2007 حققت فائضا فعليا بلغ نحو 178.5 مليار ريال تم توجيهها لدعم مخصصات صندوق التنمية العقاري، ولرفع احتياطيات الدولة، ولتخفيض حجم الدين العام، حيث سيصل حجم الدين إلى 267 مليار ريال، يمثل نحو 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه السياسة في توجيه فائض الميزانية تعكس توجه السياسة الاقتصادية نحو زيادة التمويل المتاح للقطاع العقاري لزيادة المعروض من المساكن والسيطرة على ارتفاع الإيجارات كسبب رئيسي للتضخم، وكذلك تخفيف أعباء الدين عن الاقتصاد الوطني ورفع الجدارة السيادية للمملكة.
كما تعكس تفاصيل مخصصات الموازنة العامة تركيز الدولة على قطاع التعليم، حيث حصل على نحو ربع مخصصات الموازنة الجديدة، وهو ما يعني كثافة استثمار الموازنة في العنصر البشري، باعتباره أهم عناصر تحقيق التنمية المستدامة في المملكة.
في ضوء ما سبق يمكن القول إن سفينة الاقتصاد السعودي تبحر خلال عام 2008 وسط اقتصاد عالمي يكتنف أداؤه بعض الغموض، وتتضارب التوقعات بشأن معدل النمو الذي سيحققه، متأثرا في ذلك بالصحة المعتلة للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني عجزا تجاريا متفاقما، وأزمة ناجمة عن الرهن العقاري تنحدر ككرة الثلج مؤثرة في أداء أسواق الأسهم وفي النشاط الاقتصادي ككل، وتبني راسمي السياسات الأمريكيين سياسات اقتصادية توسعية متمثلة في تخفيض أسعار الفائدة، وترك قيمة الدولار تتراجع من أجل تشجيع الصادرات كمخرج لتنشيط الاقتصاد ومنع دخوله في نفق الركود أو الكساد.
وفي رحلة إبحار سفينة الاقتصاد الوطني عام 2008 ستتعامل مع متغير اقتصادي إقليمي جديد، هو السوق الخليجية المشتركة، وهو ما سيوسع الأسواق أمام الاقتصاد الوطني، ويعزز اندماجه مع اقتصادات المنطقة، ويخلق مزيدا من الفرص أمام القطاع الخاص.
ورغم الأجواء الاقتصادية العالمية غير المواتية فإن الاقتصاد الوطني سيواصل نموه وازدهاره مدفوعا بعديد من العوامل المحلية، في مقدمتها الطفرة النفطية الراهنة، التحسن في أداء القطاع الخاص، البيئة الاقتصادية الصديقة لقطاع الأعمال، الموازنة العامة الضخمة التي توازن بين متطلبات النمو وخلق فرص العمل من ناحية، ومقتضيات التغلب على مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، وفوق ذلك كله الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية للشأن الاقتصادي، خاصة ما يتعلق بتوسيع دور القطاع الخاص وزيادة رفاهية المواطن.

الأكثر قراءة