857 مليون ريـال واردات السعودية من مستحضرات التجميل في 5 أشهر
في ظل انتشار أساليب الاحتيال والغش بقصد الربح السريع تشكل مستحضرات التجميل وأدواتها إحدى الأسواق الخصبة والضخمة للغش والتقليد في السوق المحلية بهدف تحقيق المكاسب الكبيرة. وإلى جانب الغش وأضراره الصحية والاقتصادية فإن التستر جعل من العمالة والوافدة النظامية منها وغير النظامية هي من تدير جزءا كبيرا من تلك الملايين من الريالات سنويا.
ورغم الجهود والمحاولات التي تبذلها الجهات المعنية سواء البلديات أو وزارة التجارة أو منظمات حماية المستهلك لمحاصرة انتشار مستحضرات التجميل المقلدة والمغشوشة في أسواق المملكة، إلا أن جولة ميدانية لـ “الاقتصادية” على أحد أكبر أسواقها في الرياض في منطقة العطايف وسط العاصمة، إلى جانب آخر الأرقام التي زودتنا بها الجهات المختصة تكشف أن هذه السوق غير النظامية والأشبه بالسرية لا تزال نشطة، بل أسهم دخول المشاهير و«الفاشينيستا» في تناميها.
تقول وزارة التجارة والاستثمار لـ”الاقتصادية” إنها ضبطت 400 ألف مستحضر تجميلي مخالف خلال الربع الأول من 2018، لتهدد بذلك تجارة ضخمة تصل وارداتها السنوية إلى ملياري ريال.
فيما قال المستشار عيسى العيسى المتحدث الرسمي باسم المصلحة العامة للجمارك، إن واردات المملكة من مستحضرات التجميل خلال 17 شهرا تجاوزت كميتها 58.7 مليون كيلو جرام، بقيمة بلغت أكثر من ثلاثة مليارات ريال.. وإليكم بقية تفاصيل هذا التقرير:
أرقام السوق
يقول عيسى العيسى أيضا إنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري تجاوزت قيمة الواردات من مستحضرات التجميل 857 مليون ريال، بوزن بلغ أكثر من 15 مليون كيلو غرام، مضيفا أن واردات المملكة من المستحضرات التجميلية خلال عام 2017 تجاوزت قيمتها المالية ملياري ريال، بوزن تجاوز 43 مليون كيلو غرام.
وأشار متحدث "الجمارك" إلى أن أستراليا وأمريكا وإندونيسيا وإيطاليا هي أهم الدول التي يتم استيراد مستحضرات التجميل منها، إضافة إلى المملكة المتحدة والصين وتايوان وفرنسا والهند وتركيا وأيرلندا والإمارات و ماليزيا.
وبالعودة إلى وزارة التجارة فقد كشفت أن الفرق الرقابية بوزارة التجارة والاستثمار ضبطت خلال الربع الأول من العام الجاري، 2018 أكثر من 400 ألف مستحضر تجميلي 2018، كما تمكنت الفرق الرقابية من ضبط 42 مستحضرا تجميليا مخالفا يتم ترويجها عبر موقع التواصل الاجتماعي ومنها إنستجرام.
وقال عبد الرحمن الحسين المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة والاستثمار، إن عدد السلع والمنتجات المخالفة من مستحضرات التجميل التي تم ضبطها خلال عام 2017، بلغ قرابة أربعة ملايين سلعة.
ودعا الحسين عموم المستهلكين إلى الإبلاغ عن شكاواهم لمركز البلاغات في الوزارة على الرقم (1900)، أو عبر تطبيق "بلاغ تجاري" أو التقدم ببلاغاتهم عبر الموقع الرسمي للوزارة على الإنترنت مؤكدا استمرار جولاتها الرقابية والتفتيشية على المستودعات والمنشآت التجارية، للتحقق من نظامية أعمالها وسلامة المنتجات، مشددا على عدم تهاون وزارة التجارة في إيقاع العقوبات النظامية على المخالفين والمتورطين في ممارسة الغش والتقليد.
التجار والمتعاملون
وخلال جولة ميدانية
لـ «الاقتصادية» على محال بيع هذه المستحضرات في سوق المعيقلية وسط الرياض، قال عادل التميمي أحد ملاك محال بيع مستحضرات التجميل، إنه وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات المختصة خلال حملاتها المتتالية لمصادرة المستحضرات المقلدة والمغشوشة إلا أن السوق ملأى بهذه المستحضرات وحصتها في السوق ما بين
20 - 30 في المائة.
وبين أن مصادر هذه المستحضرات المقلدة والمغشوشة، بنسبة كبيرة تصنع في معامل مخالفة تديرها عمالة وافدة، إضافة إلى تعديلهم تواريخ البضاعة الأصلية المنتهية الصلاحية، حيث يشترونها من المستودعات والمحال بثمن بخس وتغرق السوق بها.
وأضاف التميمي، "أكثر المستخدمين لها يقعون في الفخ من خلال شرائها من مواقع التواصل الاجتماعي، والأسواق الإلكترونية، مشيرا إلى أن حركة المبيعات تزيد في فترة الإجازات والأعياد بنسبة تتجاوز 30 في المائة".
سيف الهاجري أحد ملاك محال التجميل في السوق وأحد المستوردين يقدر أيضا حجم البضاعة المغشوشة من مستحضرات التجميل في السعودية بنحو 30 في المائة، وقد يرتفع وسط منصات التواصل الاجتماعي أو المستوردين عبر المراسلات وشركات التوصيل السريع.
وأضاف الهاجري، أن السوق كبيرة جدا وهناك طلب عال من قبل الفتيات في السعودية على مستحضرات التجميل وتلقت هذه السوق دعما بعد انتشار ظاهرة "الفاشينيستا" أو "مشاهير السوشيال" إلا أن مصادر هذه البضائع في كثير من الأحيان مجهول وقد يضر ببقية التجار الذي يتعاملون مع شركات عالمية ويستوردون بضائع مطابقة للمواصفات والمقاييس، حيث يتكبدون خسائر فادحة جراء هذه المنافسة غير العادلة، ويضر بالاقتصاد أيضا.
أضرار صحية واقتصادية
إضافة إلى الأضرار الاقتصادية التي تحدث عنها الهاجري تقول موضي بنت عبد العزيز بائعة في أحد المحال التي تبيع المستحضرات التجميل ، إن اللوم يقع على صاحب المحل الذي جعل هذه المحال يديرها ويتاجر بها العمالة الوافدة، حيث يكتفي بمبلغ سنوي (تستر تجاري) غير مهتم بما تبيعه هذه العمالة من المستحضرات المغشوشة والمقلدة التي تسبب ضررا على صحة وبشرة مستخدميها، وتضر بالاقتصاد والتجارة.
وأكدت أن هذه المستحضرات المقلدة والمغشوشة يتم توزيعها عبر موزعين ومناديب من العمالة العربية والبنجلادشية، والهندية، ويتم شراؤها منهم بأسعار قليلة وبالآجل، وتباع بأسعار مدبلة.
من جهتها قالت خبيرة التجميل دالين عبد الإله، إن مستحضرات التجميل المقلدة والمغشوشة دائما ما تسبب تهيجات وبثورا جلدية، كما أنها قد تسبب التشوه الدائم، خاصة في منطقة الوجه، ما يترتب عليها الحاجة الماسة إلى الذهاب للطبيب.
وحذرت دالين من انتشار استخدام الكحل المقلد والمغشوش في السوق السعودية، حيث يتسبب لمستخدميه بإحمرار العين والتحسس، مضيفة أن الإقبال على مستحضرات التجميل المقلدة والمغشوشة كبير نظرا لعوامل عدة أولها عدم معرفة الزبائن وتفريقهم بين المقلد والأصلي، إضافة إلى أسعارها المنخفضة مقارنة بالمستحضرات ذات الماركات العالمية وذات الجودة العالية.
في المقابل يؤكد الدكتور مانع الحربي استشاري طب وجراحة الأمراض الجلدية والتجميلية بمستشفى الحبيب، أنه يلجأ كثير من النساء إلى استخدام مستحضرات التجميل باعتباره الطريق الأسرع لإضافة لمسات جمالية وإشراقه للبشرة، أو لإخفاء العيوب التي قد تعاني منها البشرة مثل التصبغات أو البثور.
وأضاف، "تعتبر مستحضرات التجميل سلاحا ذا حدّين؛ فعلى الرغم من فعاليته المؤقتة في إعطاء نضارة وإخفاء عيوب البشرة إلا أنه غير آمنٍ في كثير من الأحيان، فهو مليءٌ بالمواد الكيميائية الضارّة والقاسية على البشرة، فأخطاره تفوق بكثير مميزاته، فقد يؤثر بشكلٍ كبير على البشرة خاصة لو استخدم بشكل يومي أو استخدمت أنواع رديئة أو مقلدة غير أصلية أو استخدم على الوجه لفترات طويلة مثل النوم به هذا لو تحدثنا عن أضرار مستحضرات التجميل بشكل عام من شركات ومحال خاضعة للرقابة وتحت إشراف جهات خاصة".
وقال الدكتور الحربي إن شبكة الإنترنت أسهمت في تنامي هذه الظاهرة، حيث تطرح في تلك المنصات بأسعار قليلة ودون قدرة على الرقابة عليها أو التأكد من ملاءمتها للاستخدام، فالضرر يكون أعظم وأخطر إضافة إلى المضار العامة المتعارف عليها لمستحضرات التجميل بشكل عام، مشيرا إلى أن هذه المنتجات يتم استخدام مواد رخيصة ومعادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ في تصنيعها وبنِسَب عالية غير مصرح بها وغير خاضعة للرقابة.
وتابع: "أثبتت بعض الدراسات على الحيوانات أن المستحضرات التي تحتوي على هذه المواد بنِسَب عالية ممكن أن تسبب اختلافات هورمونية؛ فقد تسبب العقم والإجهاض وتشوهات الأجنة، كما قد تسبب في بعض الأمراض سرطانية لأنها تؤثر على DNA الموجود في الخلايا على المدى البعيد ولكن ما زال تأثيرها على الإنسان محط جدل".
وبين الدكتور الحربي أن مستحضرات التجميل المقلدة غير المرخصة قد تحتوي على كمية من المواد الحافظة والمذيبة المستخدمة بطريقة عشوائية غير خاضعة للقوانين والأنظمة الصحية العالمية، موضحا أن هذا يزيد من احتمالية حدوث تحسس وتهيج في البشرة.
وزاد: "فمثلاً مادة الفورمالهيد الحافظة الموجودة في معظم مستحضرات التجميل مثل طلاء الأظافر أو الصابون أو مزيل العرق والشامبوهات وصبغات الشعر، إذا زادت النسبة على 0.2 في المائة قد تؤدي إلى حساسية الجلد وتهيجه وتهيج العين وقد يصل الأمر إلى حدوث اضطرابات في الجهاز التنفسي وعلى المدى الطويل قد يصل الأمر إلى أمراض سرطانية خاصة في ما ينتشر حاليا من علاجات للشعر مثل الكرتين وغيرها من علاجات الشعر الضارة".
وأشار إلى أن هذه المستحضرات المقلدة لا تصنع بالظروف والمعايير نفسهما التي تصنع بها المنتجات الأصلية فقد يتم صنعها في الغرف الخلفية أو مصانع صغيرة لا تخضع للرقابة وبدون إشراف عام، ما يزيد من احتمالية تلوث هذي المستحضرات وحدوث التهابات وتهيجات مقارنة بالمستحضرات المعتمدة والمصرح بها. .
وطالب الدكتور الحربي برفع الوعي المجتمعي لدى المستهلكين في ظل انتشار أساليب الاحتيال والغش في هذه السوق بقصد الربح السريع بخطورة المستحضرات التجميلية الرخيصة فنتائجها السلبية حتى لو لم تظهر في الفترة الأولى من استخدامها، فإنها تسبب مشكلات صحية على المدى التراكمي الطويل.